قال رئيس الحكومة التونسية المكلّف، الحبيب الجملي، إنه يعرض على البرلمان، حكومة كفاءات مستقلة عن كل الأحزاب، وليست حكومة مرتهنة لأي جهة، إلا لخدمة تونس وإخراجها من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية. جاء ذلك خلال عرض الجملي برنامجه وتشكيلة حكومته، في جلسة عامة، أمام البرلمان، الجمعة، مخصصة للتصويت على منح الثقة. وكان الجملي، الذي اقترحته حركة النهضة الإسلامية، أعلن هذا الشهر تشكيلة قال إنها تضم كفاءات مستقلين بعد أن فشلت الأحزاب في التوصل إلى اتفاق حول حكومة ائتلافية بعد الانتخابات التي حل فيها حزب النهضة في المركز الأول لكن لم تتجاوز مقاعده 25 بالمئة من مقاعد البرلمان. واذا سقطت الحكومة المقترحة فستكون هذه ضربة قوية لحزب النهضة، وسيلقي ذلك الضوء على فشله في إقامة تحالفات لتشكيل حكومة. ودعا الجملي، نواب البرلمان، إلى "الالتفاف حول حكومته في هذا المنعرج الحاسم من تاريخ تونس". وأوضح أن بلاده "تعيش اليوم أزمات عديدة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وتهدّدها مخاطر إقليمية حقيقية، وهي في أمسّ الحاجة لحكومة تتولى مواجهة كل هذه التحديات اليوم وليس غدا". وشدّد رئيس الحكومة المكلّف على أن "أعضاء حكومته تم اختيارهم على أساس الكفاءة والنزاهة ونظافة اليد والقدرة على الانجاز". وحول أولويات حكومته في حال نيلها الثقة، أكّد الحبيب الجملي أنه "لا خيار لنا اليوم إلا العمل على التحكم في التوازنات المالية والرفع من نسبة النمو ولا يكون ذلك إلا عبر دعم الاستثمار في إطار رؤية متوسطة المدى". وأضاف "رؤيتنا تقوم على استرجاع ثقة المواطن في الدولة وثقة المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين والمشغلين، وإرساء قواعد التماسك الاجتماعي". وأفاد الجملي، أن حكومته ستعمل على "التعجيل بإجراء إصلاحات اقتصادية في إطار يحفظ مصلحة تونس واستعادة تماسك التوازنات المالية". وشدّد على "ضرورة البدء في إرساء منوال تنموي جديد يقوم على المبادرة الخاصة ويعول على دور الدولة في الإدماج الاجتماعي وإعادة الاعتبار للمواطن التونسي". واستعرض رئيس الحكومة المكلّف، خلال الجلسة، البرنامج العام لحكومته ويتضمّن جملة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية لعدّة قطاعات. وتعهد بأن "يقدّم كل عضو بالحكومة برنامج وزارته وتقدم الحكومة برنامجها مفصّلا أمام البرلمان، في أقرب الآجال، وتتعهد بتحمّل المسؤولية كاملة في تحقيق أهدافها". من جهتها، جددت حركة النهضة تمسكها بدعم حكومة الجملي المقترحة مع وجود تحفظات بخصوصها. ودعا عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس شورى الحركة في ندوة صحفية الخميس كتلة الحركة للتصويت مع باقي الكتل في البرلمان لحكومة الجملي. وقال في تصريحات صحفية: "على رئيس الحكومة المكلف بذل قصارى جهده لإقناع الكتل بالتصويت للحكومة، وستبذل النهضة أيضا جهدها لذلك". وأوضح الهاروني أن التونسيين ينتظرون هذه الحكومة.. لذلك سنعمل على انجاحها ودعمها واعطاء الثقة لها، فالفشل غير مسموح به"، مضيفا أن " الحكومة ضرورة وطنية، ببرنامج مقبول وكفاءات محترمة ووطنية." وأشار الهاروني إلى أن حكومة الجملي المقترحة قابلة للتطوير والاصلاح، لذا "ندعمها في البداية وبعد ذلك نعمل على تطويرها وإصلاحها." ويشير مراقبون إلى أن حظوظ الحكومة المقترحة في تونس لنيل ثقة البرلمان باتت أكثر تعقيدا مع إعلان حزب "قلب تونس" مساء الخميس عن قراره عدم التصويت لها. وانضم الحزب الذي حل ثانيا في الانتخابات (38 مقعدا)، بذلك إلى ثلاثة أحزاب أخرى كانت أعلنت في وقت سابق عدم منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي مرشح حركة النهضة الإسلامية الفائزة في الانتخابات التشريعية. ونشر الحزب قراره عقب اجتماع مجلسه الوطني عشية الجلسة العامة في البرلمان للتصويت على منح الثقة. وأرجع الحزب قراره في بيانه إلى عدم استقلالية معظم الوزراء المقترحين، عكس ما أعلنه رئيس الحكومة المكلف وعدم تحييد وزارات السيادة وافتقاد الحكومة لبرنامج واضح لهذه الحكومة، وتضخم عدد أعضائها بشكل يتعارض مع طبيعة المرحلة التي تقتضي التقليص في عددهم والضغط على ميزانيات التصرف في الوزارات. وكان الجملي أعلن الخميس الماضي، عن حكومة كفاءات مستقلّة ضمت 28 وزيرا و14 كاتب دولة، بعد مخاض عسير من المشاورات، لكنه واجه انتقادات كبيرة بشأن استقلالية أعضائها وكفاءتهم وشكوك بشأن نجاعتهم في تجاوز التحديات التي تواجه البلاد، في وقت كشفت فيه هيئة مكافحة الفساد عن وجود أسماء داخل التشكيلة الحكومية المقترحة ترتبط بها شبهات فساد. وتحتاج حكومة الحبيب الجملي إلى الأغلبية المطلقة من الأصوات (109 صوتا من مجموع 217) لنيل ثقة البرلمان. والكتل التي يتشكل منها البرلمان التونسي، هي حركة النهضة (54 مقعدا)، والكتلة الديمقراطية (41 مقعدا)، وقلب تونس (38 مقعدا)، وائتلاف الكرامة (21 مقعدا)، والحزب الدستوري الحر (17 مقعدا)، والإصلاح الوطني (15 مقعدا)، وتحيا تونس (14 مقعدا)، والمستقبل (9 مقاعد)، وغير المنتمين لكتل (29 نائبا). ويعتقد مراقبون أن الحكومة المقبلة ستكون ضعيفة، إذ تحتاج لدعم سياسي قوي لتنفيذ إصلاحات لا تتمتع بشعبية والتصدي لمشاكل الشبان المحبطين في ظل ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتراجع مستوى الخدمات العامة. وفي حال فشلت حكومة الجملي في نيل الثقة، فسيكلف الرئيس قيس سعيد شخصية أخرى يختارها لتشكيل الحكومة. وإذا فشلت هذه الشخصية في الحصول على ثقة البرلمان، فسيدعو الرئيس الى انتخابات جديدة.
مشاركة :