الرباط: «الشرق الأوسط» انتقد مصطفى الباكوري، الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض، تعاطي المجتمع الإعلامي والسياسي المغربي مع الأزمة الحكومية التي اجتازتها البلاد خلال الأشهر الماضية على أثر انسحاب حزب «الاستقلال» من الغالبية الحكومية، وإعادة تشكيل حكومة عبد الإله ابن كيران. وتساءل الباكوري، الذي كان يتحدث في الرباط أمس خلال اجتماع «المجلس الوطني» للحزب: «هل يتمثل المشكل الحقيقـي لبلادنـا في انشغال الرأي العام بمشاكل الحكومة، التي لم تتمكن حتى الآن من تجاوزها، أم في الانكباب على المشاكل اليومية للمواطنيـن والهمـوم المؤرقة للشباب، والعمل على الاستجابة لعدد مـن الحقـوق المهضومة للعمـال والمرأة والفقراء بصفة عامة؟». وأضاف الباكوري أن تطورات الأشهر الأخيرة في المغرب تطرح الكثير من الأسئلة حول «ماهية العمل السياسي، وطبيعة الانشغالات التحليلية والإعلامية بقضاياه، التي يبدو أنها كثيرا ما تنزلق نحو الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر، وبالظرفيات العابرة على حساب الرؤية الاستراتيجية وبرامج العمل، الكفيلة بتحقيق النفع للشعب المغربي، وكذا الانشغال بالأمور الثانوية على حساب الأولويات الكبرى لهذا الوطن وأبنائه»، مضيفا: «إن هذا البؤس في التعاطي مع العمل السياسي، الذي تتحمل الحكومة المسؤولية الأولى في استفحاله التدريجي، أضحى يهدد بلادنا ببزوغ طفيليات عناوينها الكبرى، المد الإسلامي المحافظ، الهادف إلى ممارسة نوع من الوصاية على الديـن وعلى المتدينين. وهو مد نـاتج عن محاولة بعض التنظيمات والقوى السياسية المحافظة احتكار التكلم باسم الإسلام، متناسية أنه دين المغاربة، الذين لم ولن يقبلوا أبدا أي محاولة لتوظيفه السياسوي الضيق أو استفراد جماعة للتكلم باسمه لأنه دين الجميع». كما عبر الباكوري عن تخوفه من «المساس بالخيـارات الكبرى للبلاد المتمثلة في مؤسساتـها الدستـورية، ومشروعها الديمقراطي التنموي الذي يشكل تعاقدا تاريخيا ودستوريا لا رجعة فيه، والاستعمال السياسوي الضيق لمسألة اللغة والهوية والثقافة، ضمن تعاطي مشحون بالمزايدات والاستحواذ والإقصاء، وذلك ضدا على الخيار الاستراتيجي للمغاربة القائم على المزاوجة بين التشبث بوحدة الثوابت الوطنية والمؤسساتية والديمقراطية، والاقتناع المتقاسم بتعدد وغنى روافد الهوية الوطنية والثقافية التي تعد ملكا للجميع دون استثناء». وقال الباكوري إنه «لمواجهة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وللخروج من حالة البؤس السياسي، والتصدي للأخطار المحدقة، حري بحزبنا الانكباب على الأولويات التي تتصدر مسار استكمال بناء المشروع الديمقراطي التنموي لبلادنا، في استحضار فعلي لتطلعات شعب تواق إلى ترسيخ مغرب دولة المؤسسات الفاعلة، ومجتمع الإنصاف والعدالة الاجتماعية، في تخصيب خلاق للعلاقة العضوية بين المقومات الأصيلة لوطننا، وتطلعه نحو مواكبة مستجدات العصر، في تلاؤم مع خصوصياتنا الثقافية والحضارية»، مضيفا أن «جميع الديمقراطيين مدعوون اليوم لوضع اليد في اليد من أجل وقف هذا النزيف. علينا أن نقول جميعا لأولئك الذين يقودون الأغلبية الحكومية على الأخص: كفى من الحروب الخطابية الوهمية ذات النزوع الشعبوي، ومن الآيديولوجيا التبريرية التي تتهرب من تحمل المسؤولية لتلقي باللائمة على الغير وعلى الأشباح؛ كفى من المزايدات السياسوية الضيقة؛ كفى من إهدار الوقت، الذي بقدر ما تؤدي البلاد تكلفته السياسية والتنموية باهظة، خصوصا بالنظر لتعثر استكمال العمل التشريعي القاضي بإعمال الدستور، وتأخر الإصلاحات البنيوية المهيكلة في مختلف الميادين؛ بقدر ما يؤدي الشعب ثمنه غـاليا، بسبب تأجيـل الاستجابة لانتظـاراته وتطلعاته، وبفعل إعاقة معـانقته لطمــوحه إلى المزيـد من الحرية والكرامة والديمقراطية والتنمية والعيش الكريم». وانتقد الباكوري انعدام توفر الحكومة الثانية لابن كيران على برنامج واضح. وقال: «نسائل هذه الحكومة القديمة الجديدة عن برنامجها المرجعي الذي ستطبقه، وستساءل عنه، وقبل ذلك سيشكل أساس السياسة الحكومية التي ستنهجها». وزاد قائلا: «ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن الحكومة اليوم، وفي غياب هذا البرنامج، هي بصدد تقديم مشروع قانون المالية (الموازنة) برسم سنة 2013-2014 الذي تؤكد محاوره الكبرى أنه، كسابقيه، مفكك ولا تؤطره استراتيجية اقتصادية وطنية شاملة». وفي أفق تنظيم الانتخابات البلدية المقبلة، دعا الباكوري منتخبي الحزب إلى «المزيد من الانكباب على تعزيز الديمقراطية المحلية، وعلى المشاريع التنموية الترابية الكفيلة بالاستجابة لحاجات السكان في عين المكان والنهوض المتكافئ والمتضامن في جميع المجالات الترابية لبلادنا»، ودعا إلى «بلورة استراتيجية وطنية لتحقيق نمو اقتصادي شامل، بقدرات تنافسية عالية؛ استراتيجية من شأنها توفير الآليات الكفيلة بالتدبير الناجع للتقلبات الاقتصادية، سواء في حالات الرخاء أو في ظروف الأزمة مع الحرص كل الحرص على تجنيب بلادنا السقوط تحت رحمة المديونية المتصاعدة؛ وتيسير ولوج منصف ومتكافئ الفرص أمام كافة المغاربة للخدمات الأساسية، وفي مقدمتها التربية والمعرفة النافعتين، والشغل المنتج، والسكن اللائـق، والصحة الوقــائية والعلاجيـة، وقبل ذلك العدالة القضــائية والاجتماعية بإصلاح فعلي للقضاء، واستجابة فورية للحاجات المشروعة للمواطنين؛ تهيئ الشروط القانونية والمالية والبشرية اللازمة لتوسيع نهج اللاتمركز واللامركزية في اتجاه تحقيق الجهوية المتقدمة، والنهوض المتضامن بمختلف الجماعات الترابية».
مشاركة :