ودّع العمانيون، أمس، بقلوب عامرة بالإيمان، السلطان الراحل قابوس بن سعيد، رحمه الله، باني ومهندس تطور سلطنة عمان في شتى مناحي الحياة، الذي بين روح الأصالة والتقاليد العربية والإسلامية الأصيلة. فمنذ تقلد أمور الحكم في 23 يوليو عام 1970، دشن مسيرة حافلة بالعطاء على مدى نصف قرن، أثمرت سياسة متزنة شهد لها العالم. واستخدمت عوائد النفط لتطوير البنية التحتية في البلاد؛ إذ نجح في تحويل عمان الدولة النفطية، إلى بلد يتمتع بدرجة كبيرة من الرخاء.ولد الراحل السلطان قابوس بن سعيد في 18 نوفمبر عام 1940 في مدينة صلالة، وهو الابن الوحيد للسلطان سعيد بن تيمور بن فيصل آل سعيد، وقد تلقى دروس المرحلة الابتدائية والثانوية في صلالة، وفي سبتمبر عام 1958 أرسله والده إلى المملكة المتحدة، حيث واصل تعليمه في إحدى المدارس الخاصة، ثم التحق عام 1960 بأكاديمية «ساندهيرست العسكرية الملكية»، وأمضى فيها عامين وهي المدة المقررة للتدريب، حيث درس العلوم العسكرية وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ، ثم انضم إلى إحدى الكتائب العاملة في ألمانيا الاتحادية آنذاك لمدة 6 أشهر مارس خلالها العمل العسكري.وبعدها عاد إلى المملكة المتحدة حيث تلقى تدريباً في أسلوب الإدارة في الحكومة المحلية، وأكمل دورات تخصصية في شؤون الإدارة وتنظيم الدولة، ثم هيأ له والده الفرصة التي شكلت جزءاً من اتجاهه بعد ذلك، فقام بجولة حول العالم استغرقت 3 أشهر، زار خلالها العديد من دول العالم.وبعد عودته إلى بلاده، تعمق على امتداد السنوات الست التالية، في دراسة الدين الإسلامي، وكل ما يتصل بتاريخ وحضارة السلطنة دولة وشعباً على مر العصور، مما كان له عظيم الأثر في توسيع مداركه ووعيه بمسؤولياته، وأتيحت له الفرصة لقراءة كثير من الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من المفكرين الذين شكلوا فكر العالم.وكانت للسلطان قابوس اهتمامات واسعة، حيث ظهر ذلك في دعمه الكبير والمستمر للعديد من المشروعات الثقافية محلياً وعربياً ودولياً، سواء من خلال منظمة اليونيسكو أو غيرها من المنظمات الإقليمية والعالمية. واهتم السلطان قابوس بدفع عُمان إلى حالة متقدمة من المعاصرة، مع الإبقاء على الأصالة العُمانية التقليدية بحيث لا تفقد عُمان هويتها، وفي إطار ذلك كان اهتمامه بالثقافة الشيء الأبرز، الذي ترك آثاره الواضحة في عُمان. فبفضل قراره أصبحت لدى السلطنة جامعة السلطان قابوس، وموسوعة السلطان قابوس للأسماء العربية، ودعم مشروعات تحفيظ القرآن سواء في السلطنة أو في عدد من الدول العربية، وكذلك بعض مشروعات جامعة الأزهر، وجامعة الخليج وعدد من الجامعات والمراكز العلمية العربية والدولية، فضلاً عن جائزة السلطان قابوس لصون البيئة التي تقدم كل عامين من خلال منظمة اليونيسكو، ودعم مشروع دراسة طريق الحرير والنمر العربي والمها العربي وغيرها. وحصل السلطان قابوس على كثير من الجوائز والتكريمات العالمية، من بينها 34 وساماً وقلادة وميدالية، وجائزة السلام من قبل 33 جامعة ومركز أبحاث، ومنظمة أمريكية.وعلى مدى نحو 50 عاماً، نقل الراحل البلاد من الحكم القبلي التقليدي إلى الحكم النظامي الديمقراطي، وذلك بإنشائه المجلس الاستشاري للدولة، وبعد عدة أعوام استبدل به مجلس الشورى الذي يمثل أعضاؤه جميع الأقاليم، وهو مجلس استشاري تشرف عليه هيئة عليا تنفيذية تُعرف بمجلس عمان.وفي عهده تم إنشاء موانئ بحرية وجوية للاتصالات الداخلية والخارجية، وتم افتتاح ميناءين كبيرين هما ميناء السلطان قابوس في مطرح، وميناء ريسوت في المنطقة الجنوبية، وفي عام 1981 انضمت عُمان إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحقق السلطان قابوس بذلك تعاون بلاده مع بقية دول الخليج العربي في المجال الدفاعي المشترك، وفي تحقيق المشاريع الاقتصادية المختلفة.وتشكل قيادة السلطان قابوس بن سعيد لسلطنة عمان، علامة تاريخية فارقة انطلقت معها عمان دولة وشعباً ومجتمعاً، إلى بناء دولة عصرية قادرة على تحقيق التقدم والرخاء لأبنائها، ومواكبة التطور الإنساني من حولها، حيث اتسمت ببناء جسور المودة والصداقة مع الدول المحيطة بها في المنطقة ومع دول العالم.وحرصت القيادة العمانية في عهد الراحل، على تهيئة أسباب التقدم عن طريق التنمية وتحقيق الاستقرار، وتعميق الوحدة الوطنية وتعزيز الأمن والأمان في البلاد عبر تهيئة المناخ المناسب للمضي قدماً في مسيرة النهضة الحديثة. وحظي المواطن العماني بالثقة والاهتمام في عهده وهما من أولوياته في جميع السياسات والبرامج والخطط التنموية الساعية إلى ترسيخ مبادئ العدل والمساواة، وتطبيق حكم القانون إضافة إلى تشجيع المواطن على المشاركة الفعالة في البناء والتنمية. كما سعى خلال قيادته لسلطنة عمان، إلى تعزيز مكانة المواطن وحشد طاقاته وقدراته للمشاركة الفعالة في تطوير البلاد على أساس المساواة وتكافؤ الفرص، خاصة الشباب، وإلى الارتقاء بمستواهم عبر تثقيفهم وتدريبهم وتأهيلهم لتمكينهم من استغلال الفرص المتاحة لهم لخدمة وطنهم.وتمكنت السلطنة خلال الأعوام ال49 الماضية من مواجهة التحديات والعقبات التي أمامها، من خلال تضافر كامل لجهود المواطنين، مما نتج عنه بناء دولة عصرية وتمهيد الطريق لمستقبل أفضل.ونجحت السلطنة في ظل توجيهات القيادة العمانية في تحقيق الإنجازات والمساعي المرجوة، وتحقيق الحياة الكريمة للمواطن العماني وفقاً للإحصائيات الرسمية في هذا الخصوص.وتشمل الإنجازات التي شهدتها السلطنة خلال ال49 عاماً الماضية جميع المجالات، حيث شهدت البلاد نقلة نوعية في التعليم والثقافة والصحة والاقتصاد والسياحة، تجسدت في توقيع اتفاقيات ومذكرات تعاون وتفاهم مع دول العالم المختلفة. كما اتسمت السياسة العمانية الخارجية في عهد الراحل بمحاولة بناء جسور المودة والصداقة بين دول العالم، لتحقيق الأمن والاستقرار العالميين. وأسهمت الإنجازات العمانية منذ تولي السلطان قابوس مقاليد الحكم، في تشجيع القيادة على التخطيط لمرحلة جديدة تشهد مزيداً من التطوير الذي يعكس تطلعات المواطنين.وشهدت مرحلة حكم السلطان قابوس بن سعيد، تعزيز مبدأ الشفافية وسيادة القانون ومشاركة المواطنين في صنع القرار، وتهيئة أفضل مناخ ممكن للحوار مع الدول والشعوب الأخرى، إضافة إلى دعم جهود المنظمات الدولية والإقليمية لتحقيق عالم أفضل وأكثر سلاماً واستقراراً. (وكالات)
مشاركة :