تونس 11 يناير 2020 (شينخوا) تسبب قرار مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، المُتعلق برفض منح الثقة للحكومة التونسية الجديدة التي اقترحها رئيس الحكومة المُكلف الحبيب الجملي، في خلط أوراق المشهد التونسي، باتجاه إعادة تشكيل خارطة التحالفات الحزبية، وموازين القوى داخل البرلمان. وتُرجح الأوساط السياسية التونسية، حدوث تطورات فارقة على صعيد مسار تشكيل الحكومة، الذي يُفترض أن يشهد ابتداء من اليوم (السبت)، انطلاق المشاورات السياسية والحزبية لاختيار "الشخصية الأقدر" بحسب نص الدستور، لتكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة، وذلك تحت إشراف الرئيس قيس سعيد. وقالت مصادر مُقربة من حزب قلب تونس (38 مقعدا) برلمانيا، لوكالة أنباء (شينخوا)، إنه بسقوط الحكومة التي اقترحها الحبيب الجملي أمام البرلمان، سيتم المرور مباشرة إلى تفعيل الفقرة الثانية من الفصل 89 من دستور البلاد، الذي يمنح رئيس الدولة، قيس سعيد أجلا أقصاه عشرة أيام لاختيار "الشخصية الاقدر"، وتكليفها بتشكيل حكومة. ويُنظر إلى هذا التطور، على أنه أحد أبرز التداعيات السياسية لرفض البرلمان منح الثقة للحكومة الجديدة، وهي تداعيات شملت أيضا التوازنات داخل البرلمان، إلى جانب بروز تحالفات حزبية جديدة من شأنها تغيير خارطة المشهد العام في البلاد. وكان البرلمان التونسي، قد رفض ليلة (الجمعة - السبت)، بأغلبية واسعة منح الثقة للحكومة التي اقترحها الحبيب الجملي، المدعومة من حركة النهضة الإسلامية، حيث صوت ضدها 134 نائبا، مقابل 72 نائبا صوت لصالحها، واحتفاظ 3 نواب بأصواتهم. ولم يتردد الحبيب الجملي، في القول، بتصريحات للصحفيين أدلى بها في أعقاب هذا التصويت، إن "نواب الشعب خذلوا بلدهم في هذه المرحلة، وإن كانوا في المقابل، قد مارسوا صلاحياتهم الدستورية كممثلين للشعب". لكنه أكد في المقابل، أنه غير نادم على قبوله مهمة تشكيل الحكومة في منتصف نوفمبر الماضي، قائلا "لست نادما، ولن أندم أبدا، أنا اجتهدت، والأخطاء جائزة". ورأى مراقبون أن سقوط حكومة الجملي، هو ضربة قوية لحركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي، باعتبارها هي التي اقترحته لتشكيل هذه الحكومة، وقد فشلت في إيجاد حزام برلماني داعم له. غير أن راشد الغنوشي نفى تصريحات بثتها إذاعة "موزاييك اف ام" المحلية التونسية"، ذلك قائلا "...ما حصل ليس فشلا للنهضة، وانما هو دليل على أن زمن الحزب الحاكم الذي يفعل ما يشاء قد ولى وانتهى". وأضاف "نحن ما زلنا في إطار الدستور، ومارسنا عملية ديمقراطية قد تكون فريدة من نوعها في عالمنا العربي، وهناك حاليا حكومة تعمل، وكنا نتصور أن تولد حكومة اليوم، ولكن حصل العكس، ولكنها ستولد في الأيام القادمة، والنهضة ستظل مشاركة في تكوين الحكومة القادمة". وفي غضون ذلك، توالت ردود الفعل الحزبية والسياسية، على وقع هذا التطور، واخذت منحى تصاعديا بالإعلان عن "جبهة برلمانية" جديدة تضم الأحزاب والكتل البرلمانية التي صوتت ضد منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي، يُتوقع أن تُغيير موازين القوى تحت قبة البرلمان. وعقد مسئولو حزب قلب تونس وحركة الشعب وكتلة الاصلاح الوطني وكتلة المستقبل وتحيا تونس مؤتمرا صحفيا، داخل البرلمان، بعد سقوط حكومة الحبيب الجملي، أعلنوا فيها عن تكوين هذه "الجبهة البرلمانية" التي ستضم أكثر من 90 نائبا، لتُصبح بذلك الكتلة البرلمانية الأولى، وذلك على حساب كتلة حركة النهضة الإسلامية (54 نائبا). وقال رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، إن حزبه الممثل في البرلمان بـ38 نائبا، سيُبادر مع حزبي "حركة الشعب" و"تحيا تونس"، وكتلتي "المستقبل" و"الإصلاح الوطني"، بتقديم مبادرة وطنية لبقية الأحزاب والكتل البرلمانية إثر التصويت على عدم منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي. وشدد القروي على أن "أيادي أصحاب هذه المبادرة ممدودة للجميع دون إقصاء لأي طرف"، وان تونس"لا تسير نحو المجهول، وهناك ضمانات دستورية"، لافتا إلى أنه سيتم حسب الدستور التشاور مع رئيس الجمهورية في الغرض. وينص الدستور التونسي في الفصل 89 على أنه "عند تجاوز الأجل المُحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر". لكن هذا الفصل يفتح الباب امام سيناريوهات أخرى، منها حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مُبكرة، حيث يؤكد أنه "إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما". وامام هذه التطورات يبقى المشهد التونسي مفتوحا على مختلف الاحتمالات وسط تجاذبات حزبية مُرشحة للمزيد من التفاعلات التي تدفع نحو دخول تونس في منعرج حاد يصعب التكهن بتداعياته السياسية وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية.
مشاركة :