أثار ما نشرته «الراي»، الأسبوع الماضي، حول إمكانية توجه وزارة الصحة إلى استئجار المعدات الطبية بدلاً من شرائها، بما يحقق أداءً أفضل ويوفّر أموالاً يمكن أن توجه إلى فرص بديلة، تساؤلات أوساط اقتصادية حول إمكانية أن يتحول هذا الخيار إلى نهج قد تضطر إليه مؤسسات الدولة بالكامل، لا سيما مع خطر نفاد صندوق الاحتياطي العام في ظل عجوزات الموازنة المستمرة، دون أن يكون إقرار قانون جديد للدين العام.ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المالية، فإن حجم الاحتياطي العام تقلص بما نسبته 67.35 في المئة إذ سُحب منه 42.7 مليار دينار من أصل 63.4 مليار خلال 5 سنوات، لتصبح قيمته 20.645 مليار في نهاية سبتمبر الماضي، وسط تحذيرات متزايدة من قرب نفاده مع استمرار تحقيق الموازنة العامة للدولة لعجوزات مالية متتالية، من دون وجود خيارات أخرى أمام الدولة لتمويل العجز، في ظل استمرار عدم إقرار قانون الاقتراض العام لأكثر من عامين.وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، إن الحكومة تُحدد سنوياً نسبة تقل عن 20 في المئة من إجمالي المصروفات في الموازنة العامة للدولة كإنفاق رأسمالي، يتم صرفه وفقاً للأولويات، على مشروعات التنمية وغيرها، مشيراً إلى أن نسبة الإنفاق الرأسمالي في موازنة السنة المالية الحالية (2019 /2020) بلغت نحو 17 في المئة من إجمالي المصروفات المقدرة بنحو 22.5 في المئة، بينما تستحوذ الرواتب والدعوم وخلافه على ما نسبته 75 في المئة من إجمالي الانفاق بالموازنة.ولفت إلى أن الرواتب مصانة بحكم الدستور، فيما لا تشهد الدعوم أي تغيير لعدم تقبل سياسيين إضافة إلى الكثير من المواطنين فكرة المساس بها بأي شكل، ما يجعل الخيار الوحيد لتقليص المصروفات أمام الدولة، حال تآكل الاحتياطي العام بالكامل مع استمرار العجوزات، هو الوجه الآخر للإنفاق متمثلاً في المصروفات الرأسمالية، لتصبح الحكومة أمام مفترق طرق، لن يكون أمامها خلاله سوى 3 اتجاهات هي: 1 - إيقاف أو خفض كبير للإنفاق الرأسمالي: الأمر الذي يعني إيقاف مشروعات تعمل عليها الدولة من بينها مشاريع في خطة التنمية، إضافة إلى وقف شراء أصول قابلة للإهلاك تحتاجها كل وزارات الدولة، ما يعني تأثر العديد من الخدمات التي تقدم للمواطنين والمقيمين.2 - الاستمرار في الإنفاق بذات الوتيرة: وهو ما سيعظّم حجم العجوزات مع تنامي حجم الإنفاق سنوياً ما يمثل تهديداً لتصنيف الكويت الائتماني، وما يستتبعه من آثار تتعلق بمعدلات الفائدة التي تمس حياة المواطنين والمقيمين بصورة مباشرة.3 - اللجوء إلى خيار الاستئجار التشغيلي: وهو ما سيقلل من حجم الإنفاق بصورة ملموسة، لكنه سيرفع المصروفات التشغيلية في الوقت ذاته.وشدد رمضان على أن تعامل الحكومة مع الاستئجار التشغيلي كخيار لضبط الانفاق يُعد أمراً مقبولاً إذ ستستطيع الاستفادة منه من خلال ما يحققه من مزايا تتمثل في التالي: أ- تكلفة الفرصة البديلة: إذ يمكن للحكومة إعادة توجيه التكلفة الرأسمالية للأصول على أوجه إنفاق أخرى ما يتيح لها منافع أكثر، أو أن تدخل باستثمارات تتعاظم قيمتها وتحقق إيرادات تموّل تكلفة تأجير تلك الأصول.ب- مصروفات الصيانة: لن تظل الحكومة مطالبة بصيانة تلك الأصول وستتحملها الشركات المؤجرة وتضمّنها في قيمة الإيجارات، وستصبح تلك الشركات مطالبة بتوفير بدائل لاستمرار العمل دون تأخير أيضاً، وهو ما يرفع من كفاءة الأداء الحكومي.ج- قيمة الخردة «السكراب»: لن تفقد الحكومة أموالاً من تقادم تلك الأصول وصولاً إلى بيعها «خردة» بقيم مالية بسيطة.د- التطوير الدائم: يمكن الجهات الحكومية من التعاقد على أصول يتم تجديدها خلال فترات زمنية قصيرة.ونوه إلى أن تلك المميزات قد تفقدها الحكومة ما لم تلجأ إلى الاستئجار كخيار مبكر، إذ لن يكون لديها فرصة بديلة لو اعتمدت ذلك النظام مجبرة بعد نفاد الاحتياطي العام، نظراً لعدم توافر قيمة الإنفاق الرأسمالي لتتم إعادة توجيهه.
مشاركة :