تضغط فرنسا، عبر تهديداتها بسحب قواتها المتمركزة في مالي، على حلفائها في الساحل الأفريقي وأيضا على شركائها الأوروبيين الذين تعتبرهم “مقصرين” في مواجهة الجماعات الجهادية هناك، على الرغم من الدعم اللوجستي لهذه الدول. وتريد فرنسا من شركائها المحليين دورا أكبر في عمليات مواجهة الجهاديين بسبب تكبدها بمفردها الخسائر الأكبر في العتاد والرجال. وتعتمد الاستراتيجية العسكرية الفرنسية في مالي على شقين، كما قال رئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر، أولهما إضعاف الجماعات الجهادية “ما يسمح بجعلها في مستوى القوات المسلحة المالية التي يجب أن تواجهها بمفردها أو بمواكبة أقل من قوة برخان” الفرنسية لمكافحة الجهاديين. وفي الوقت نفسه، تعزيز هذه القوات للتخفيف عن الجيش الفرنسي “وقبل بدء التفكير على الأمد الطويل في انسحابنا”. وعلى الرغم من جهود التأهيل التي بذلها الاتحاد الأوروبي في إطار مهمة التدريب وقوة برخان، ما زال الجيش المالي هدفا سهلا. وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي أول من تحدث عن فرضية انسحاب بلادها من الساحل الأفريقي، بدعوتها إلى إرسال قوات خاصة أوروبية إلى منطقة الساحل لدعم جهود أربعة آلاف عسكري فرنسي في قوة برخان، بينهم مئات من أفراد القوات الخاصة. وذكر مصدر قريب من الملف أن مهمات هذه القوات التي تسمى “قوة العمل المشتركة للعمليات الخاصة” ستكون مشابهة لتلك التي قامت بها فرق التدريب في “فريق الارتباط العملياتي التوجيهي” والتي كانت تعمل في أفغانستان. وقال ضابط كبير إن “هؤلاء الرجال سيوضعون تحت قيادة فرنسية لكن كما يحدث في كل تحالف، مع تحفظات”، أي الشروط التي تضعها كل دولة لعمل قواتها في الخارج. وحتى الآن، لم تتعهد سوى أستونيا التي تشارك بخمسين جنديا أصلا في قوة برخان بإرسال قوات خاصة إلى مالي، لكن مصدرا حكوميا قال إن “مشاورات ما زالت جارية مع دول عدة”. وتملك دول أوروبية عديدة قوات خاصة داخل جيوشها، مثل بريطانيا وإيطاليا والجمهورية التشيكية والدول الأسكندينافية. وضع مقلق يجمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين في مدينة بو في جنوب غرب فرنسا رؤساء دول مجموعة الساحل الأفريقي الخمس، بهدف تعزيز شرعية وجود القوات الفرنسية فيها وحضّ الحلفاء الأوروبيين على التحرك. ودُعي الرؤساء الخمسة لدول الساحل (تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا) بشكل مفاجئ إلى بو مطلع ديسمبر من قبل الرئيس الفرنسي الذي استاء من انتقاداتهم العلنية لوجود نحو 4500 عسكري من قوة برخان الفرنسية في المنطقة، ومن تصريحات لبعض وزرائهم اعتبرت مبهمة. وتظاهر الجمعة الماضي نحو ألف شخص في باماكو للمطالبة برحيل القوات الأجنبية، خصوصا الفرنسية. وعند إطلاقه هذه الدعوة المفاجئة التي اعتبرها رؤساء الدول الخمس “استدعاء”، حذر ماكرون من أنه سيضع كافة الخيارات الممكنة على الطاولة، ومن ضمنها خيار انسحاب قوة برخان أو خفض عدد المشاركين فيها. وسبق أن أرجأ الرئيس الفرنسي هذه القمة بعد الهجوم الدموي على معسكر إيناتس في النيجر، الذي قتل فيه 71 شخصا، وكان الأكثر دموية منذ 2015. وتريد باريس من قمة بو الاثنين الحصول على إعلان مشترك من قبل الرؤساء الخمسة، يقولون فيه إن فرنسا تعمل في دولهم بطلب منهم بهدف “استعادة شرعية” وجودها في المنطقة، فيما يستنكر الإيليزي ما وصفه بـ“الخطاب المناهض لفرنسا”. واعتبر الرئيس المالي إبراهيم أبوبكر كيتا أن “هذا اللقاء سيكون حاسما، لأنه سيسمح بأن توضع على الطاولة كل الإشكاليات، والمخاوف وكل الحلول”. وعلاوة على شقها السياسي، يمكن أن تكون قمة بو فرصة لإعادة صياغة الاستراتيجية العسكرية ضد الجهاديين في تلك المنطقة الشاسعة التي تعادل مساحة أوروبا، ودعوة الحلفاء الدوليين والأوروبيين إلى زيادة مشاركتهم. ويريد رئيس النيجر محمد يوسفو أن يطلق في القمة “دعوة إلى تضامن دولي” من أجل الساحل لكي لا تكون فرنسا وحيدة في هذا الصراع ضد “آفة” الجهاديين. تعمل فرنسا، في الأثناء، على إنشاء عملية جديدة تحت اسم “تاكوبا”، تضم قوات خاصة من عشرات الدول الأوروبية. وتأمل باريس أن تقنع قمة بو الأوروبيين المترددين في الانضمام إليها. فهؤلاء مؤيدون لضرورة مكافحة الجهاديين في تلك المنطقة، لكنهم قلقون من تعرض فرنسا لانتقادات دون تحقيق مكسب سياسي من هذا التدخل. ويعدّ تردد الأميركيين الذين لا يمكن الاستغناء عن دعمهم العسكري في المنطقة، مصدر قلق آخر لباريس. ومنذ هجوم إيناتيس، لم يتوقف سفك الدماء في المنطقة التي باتت منذ 2012 ساحة لنشاط العديد من المجموعات الجهادية التي ترتبط بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. وقتل أكثر من 60 “إرهابيا” و25 عسكريا الخميس في شينيدوغار على الحدود بين النيجر ومالي. وليلة الميلاد، تعرضت بوركينا فاسو لأكثر الهجمات دموية في تاريخها، حيث قتل فيها سبعة عسكريين و35 مدنيا في أربيندا. وتبدو قوات القوة المشتركة لدول الساحل الخمس التي تشكّلت عام 2017، عاجزة أمام تصاعد قوة هذه الهجمات، في ظلّ تنافر هذه القوات ونقص تسليحها وسوء تشكيلها، فضلا عن تأخر دفع مساعدات وعد بها المجتمع الدولي. ولم تتلق القوة المشتركة سوى 300 مليون دولار من أصل 400 مليون دولار تم التعهد بها العام الماضي. وتمكنت فرنسا من السيطرة على عملية للجهاديين في شرق مالي عام 2013، لكنها تبدو غير قادرة على منع النزاع من التمدد. ورغم تكثيف الفرنسيين لعملياتهم المضادة، فإن “النجاحات” العسكرية ليست بالقدر الكافي. تكتل جهادي أعلنت مجموعة الجهادي عدنان أبووليد الصحراوي، التي بايعت تنظيم داعش في منطقة الساحل الأفريقي مؤخرا أنها تتعاون ضد القوة المشتركة المؤلفة من خمس دول لمنع تمركزها في المنطقة. وقال متحدث باسم المجموعة عرّف نفسه باسم عمّار، “سنقوم بكل ما بوسعنا لمنع تمركز قوة دول الساحل الخمس في هذه المنطقة”. ما يبين أن منطقة الساحل الأفريقي تعاني من نشاط جماعات متشددة ومهربين وأزمة مهاجرين. وأضاف أن “إخوتنا والمجاهدين الآخرين يدافعون مثلنا عن الإسلام”، مشيرا بذلك إلى زعيم الطوارق لجماعة أنصار الدين الذي يقود “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” أكبر تحالف جهادي في منطقة الساحل. فرنسا تضغط على حلفائها في الساحل الأفريقي وأيضا على شركائها الأوروبيين الذين تعتبرهم “مقصرين” في مواجهة الجماعات الجهادية هناك وتبنت المجموعة التي يقودها عدنان أبوالوليد الصحراوي وتطلق على نفسها تسمية “تنظيم الدولة في الصحراء”، مجموعة من الهجمات بمنطقة الساحل وخصوصا ضد قوة برخان الفرنسية في مالي. وتنشط هذه الجماعة في منطقة المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، حيث تتركز عمليات القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي وهي مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد، فيما أشارت تقارير أمنية غربية إلى وجود تعاون ميداني معزز بين مختلف الجماعات الجهادية في منطقة الساحل. وعلى الرغم من تشتت الجماعات الجهادية وطرد جزء كبير منهم من شمال مالي منذ 2013، ما زالت مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وتلك التابعة للأمم المتحدة. وتستهدف الجماعات المتشددة، من حين لآخر، القوات الأمنية والعسكرية المتمركزة في المنطقة على الرغم من توقيع اتفاق للسلام في يونيو 2015، كان يفترض أن يسمح بعزل الجهاديين نهائيا. وبحسب مصادر محلية مقربة من هذه الحركات “هناك انشقاقات في صفوفها رفضا للتجمع الجديد وتسليم القيادة لإياد أغ غالي، زعيم جماعة أنصار الدين، التي يرونها هؤلاء جماعة محلية تكتفي بالحرب في مالي بينما حربهم عابرة للدول”. وأضافت المصادر أن “هذه الحركات بعد اندماجها قامت بحملات توعية في سكان صحراء شمال مالي تؤكد لهم بأن تجمعها لحماية السكان ممّا سموه بالحرب الصليبية ضد المسلمين، وفي الوقت ذاته هددت تلك الحركات المتشددة السكان بالقتل إذا عملوا أو تحدثوا مع الجهات الأمنية”. ويتكون التجمع الجديد للحركات الجهادية في مالي من حركة “المرابطون” بقيادة الجزائري مختار بلمختار المكنى خالد أبوالعباس، و”إمارة الصحراء” التي يقودها جزائري آخر وهو يحيى أبوالهمام، وكتائب ’’ماسنا’’ بزعامة المالي أحمد كوفا الفلاني، إضافة إلى جماعة “أنصار الدين” بقيادة إياد أغ غالي الذي يقود هذا التجمع الجديد.
مشاركة :