أزمات الساحل الأفريقي تؤرق فرنسا المتعثرة باريس - تعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة وجهها إلى نظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بمناسبة احتفال بلاده بالذكرى الـ61 لاستقلالها عن فرنسا بمواصلة مكافحة الإرهاب وتحقيق التنمية في منطقة الساحل الأفريقي، فيما تبدو القوة الاستعمارية السابقة متعثرة إلى حد كبير في مواجهة الجهاديين. ودعا ماكرون في رسالته إلى حلول مبتكرة لأزمات منطقة الساحل، فيما لا تملك فرنسا خطة بديلة لملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الفرنسية التي تعتزم الانسحاب ضمن خطة قالت باريس إنها تندرج ضمن استراتيجيتها الجديدة في المنطقة. ولا يريد الرئيس الفرنسي الانسحاب فورا من الساحل كما أنه لا يريد في الوقت نفسه الغرق في الرمال المتحركة بالمنطقة. والخيار المطروح أمام باريس والذي مهدت له منذ أشهر يتمثل في تدويل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل من خلال إشراك حلفائها الأوروبيين أكثر في هذا الصراع، ودفع الولايات المتحدة إلى تحمل عبء أكبر في المنطقة، مع إبقاء باريس لقواعد عسكرية في كل من تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو. وتعول فرنسا التي قضت 8 سنوات في المنطقة دون تحقيق نجاحات كبيرة في مواجهة الجهاديين على الجيوش المحلية لملء الفراغ بعد رحيل قواتها (عملية برخان) بالتزامن مع مساعيها لإنشاء تحالف دولي لمواجهة الجهاديين لا يجد حماسة من قبل حلفائها الأوروبيين وحتى الأميركيين. ويجمع المحللون على أن الجيوش المحلية المتعثرة لن تقدر بدون دعم دولي واسع على التصدي لهجمات الجهاديين الدامية وسيطرتهم على مناطق واسعة من أنحاء المنطقة الشاسعة، ما يطرح تساؤلات بشأن البدائل بعد الرحيل الفرنسي. ويشير هؤلاء إلى وجود بديلين لتعويض الانسحاب الفرنسي وضمان صمود الجيوش المحلية وهما كل من الولايات المتحدة غير المكترثة بالانخراط المباشر في المعارك على الأرض، وروسيا الجاهزة لملء الفراغ وتعزيز نفوذها في المنطقة. ورغم بعض النجاحات التكتيكية المسجلة لا يزال الوضع قاتما في دول الساحل الأفريقي، فبعد أكثر من ثماني سنوات على بدء أزمة أمنية في شمال مالي امتدت إلى الجوار، لا يمر يوم تقريبا في هذه المنطقة من دون وقوع هجوم ضد ما تبقى من القوات المحلية أو انفجار لغم يدوي الصنع أو ممارسات تستهدف المدنيين. ولا تزال الجماعات الجهادية تترك بصماتها على مناطق شاسعة تخلت عنها الدول. وكل أسبوع تلحق خسائر فادحة في صفوف القوات المسلحة والمدنيين على حد سواء، رغم إعلان قوات برخان مسؤوليتها عن مقتل أو اعتقال قياديين مرتبطين بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة. وتحشد فرنسا نحو 5100 عنصر من قوات برخان في المنطقة، بينما تشكل الولايات المتحدة القوة الأجنبية الثانية في المنطقة بنحو 1100 جندي، لكن دورها يقتصر على التدريب وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي. وفي الثاني عشر من نوفمبر الجاري كررت الولايات المتحدة رفضها الصارم لمشاركة الأمم المتحدة في دعم قوة مجموعة الساحل متعددة الجنسيات للتصدي للجهاديين وذلك خلال اجتماع لمجلس الأمن الذي زار وفد منه المنطقة مؤخرا. وقال مساعد السفير الأميركي ريتشارد ميلز “لنكن واضحين، لا تزال الولايات المتحدة تعتقد أن الأمم المتحدة، مهما كانت الآلية، ليست منظومة مناسبة لتوفير دعم لوجستي لقوة مجموعة الساحل المشتركة”. وأضاف أن “القوة المشتركة هي ائتلاف من قوات أمنية كلفت بتنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب داخل حدودها بشكل رئيسي. لا يتصل الأمر بقوة متعددة الجنسيات على أرض أجنبية لديها تفويض بوصفها عملية سلام”. وأوضح الدبلوماسي الأميركي أنه خلال زيارة وفد مجلس الأمن إلى مالي والنيجر “كانت إحدى أبرز الرسائل أن الدول الخمس في المجموعة تحتاج إلى المزيد من المساعدة الدولية، وخصوصا على صعيد التعليم والصحة والتغير المناخي والمساعدة الثنائية في المجال الأمني”. ويدافع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ أشهر عن فكرة إنشاء مكتب أممي لدعم مجموعة الساحل التي تضم خمسة آلاف جندي من تشاد ومالي وموريتانيا والنيجر وبوركينا فاسو. وتدعمه فرنسا في هذا الموقف. وأكد السفير الفرنسي لدى المنظمة الدولية نيكولا دو ريفيير أن “التهديد الارهابي يطال الحدود” و”وحده تعاون عسكري عابر للحدود، على غرار القوة المشتركة، يمكنه أن يشكل ردا” على ذلك. وأضاف “بهدف التخطيط لعمليات وتنفيذها، تحتاج القوة المشتركة إلى دعم دائم” و”لدى الأمم المتحدة هذه القدرة”، إضافة إلى “مشروعية” القيام بذلك، لافتا إلى إمكانية تأمين دعم محتمل عبر المساهمات الإلزامية لأعضاء الأمم المتحدة في المنظمة. وترفض الولايات المتحدة وبريطانيا التي تنشر جنودا أمميين في مالي منذ وقت طويل خيار إشراك الأمم المتحدة في دعم قوة مجموعة الساحل، وتفضلان عليها المساعدات الثنائية بحجة أن دورا كهذا ينطوي على خطر إفقاد قوة الأمم المتحدة في مالي صفة الحياد. ويقول تشارلز جوردون المدير الإداري لشركة ميناس الاستشارية في شؤون المخاطر “أعتقد أن الولايات المتحدة تعتبر أن منطقة الساحل هي مجال فرنسا وبالتأكيد مشكلة أوروبا، وبالتالي فهي تريد أن تفعل أقل قدر ممكن هناك”. ويضيف جوردون “سواء أراد الأميركيون الانسحاب أو أرادوا خفض قواتهم، كما يحدث الآن، تزداد الحرب سوءا ويحتاج الفرنسيون إلى الأميركيين أكثر مما احتاجوا إليهم في أوقات أخرى”.
مشاركة :