هل تتجه الولايات المتحدة إلى التخلي عن زعامة العالم

  • 1/13/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يجمع دبلوماسيون أميركيون وغربيون على أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقلب كل شيء رأسا على عقب ويسير بالولايات المتحدة،على عكس أسلافه، باتجاه مزيد من الانغلاق والتخلي عن دور الولايات المتحدة في تكريس مبادئ النظام الليبرالي وبالتالي تخليها عن زعامة العالم. فالرئيس ترامب يقوّض كل شيء بداية بالتراجع عن الاتفاقيات الدولية لواشنطن، مرورا بالتقليص من حجم المساعدات الأميركية في كل اتجاه وانتهاء بقراره المفاجئ سحب القوات الأميركية من سوريا وأفغانستان دون تنسيق مع حلفائه أو حتى إخطارهم، حتى باتت هناك قناعة لدى حلفاء واشنطن الغربيين بأن ترامب حليف لا يمكن الوثوق به أو الاعتماد عليه. وأعرب وزير الدفاع البريطاني بن والاس، عن قلقه إزاء احتمال تخلي الولايات المتحدة عن زعامتها للعالم، في وقت تتراجع فيه الإدارة الأميركية بقيادة قطب العقارات دونالد ترامب، عن التزاماتها الدولية بموجب النظام الليبرالي متعدد الأقطاب و“خذلانه” في عديد من المرات لحلفاء واشنطن الأوروبيين وغيرهم على عدة أصعدة سياسية وعسكرية وحتى اقتصادية. وأوضح والاس، في مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز البريطانية، أنه إذا تخلت الولايات المتحدة عن زعامتها، فإن ذلك سيكون أمرا سيئا للعالم ولبريطانيا، مضيفا “الولايات المتحدة قررت في 2019 الانسحاب من سوريا ودعت حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى تولي القيادة وبذل المزيد من الجهود في العراق”. الصين الآن في طريقها إلى أن تصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم قبل عام 2030 على صعيد إجمالي الناتج المحلي، ويقترب قطاع التكنولوجيا فيها من مثيله الأميركي بالفعل، على مستوى الإنفاق على البحث والتطوير وحجم السوق ودعا وزير الدفاع البريطاني، بلاده إلى تنشيط الاستثمار في مجال الصناعة العسكرية، بهدف تقليل الاعتماد على التغطية الجوية وطائرات التجسس الأميركية في المستقبل. وقال “على بريطانيا إعادة النظر في احتياجاتها الدفاعية، نأمل الأفضل، ولكن نخطط في الوقت نفسه للأسوأ”. ونبذ الرئيس ترامب الذي تبنى شعار “أميركا أوّلا” دور بلاده الطويل، إذ ارتبطت استراتيجية واشنطن منذ 1945 بتعزيز النظام والحفاظ على المصالح الوطنية في إطار نظام متعدد الأطراف. ومن بين إجراءات أخرى، وصف ترامب الاتحاد الأوروبي بأنه “عدو”، وأوقف تعيين القضاة في لجان تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وانسحب من سلسلة من المعاهدات الدولية كالشراكة العابرة للمحيط الهادئ واتفاق باريس للمناخ والاتفاق العالمي للهجرة والبروتوكول الاختياري لتسوية النزاعات الملحق باتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وهدد بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ويقال إنه ناقش الانسحاب من الناتو. وفي الوقت نفسه، أصبحت تحديات الصين وروسيا للقواعد والمعايير الدولية أكثر وضوحا وجرأة بعد أن أصبح غزو روسيا لأوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم حقيقة في السنوات الأخيرة. وفي الآن ذاته، يضعف احترام القانون الدولي، وتتدهور أنظمة الحد من الأسلحة، ويتعرض النظام التجاري متعدد الأطراف لخطر الانهيار، وتتراجع الديمقراطية في أجزاء متعددة من العالم. وتناول تحليل نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية وضع الولايات المتحدة كقوة عظمى وسط نظام عالمي ليبرالي أسسته مع حلفائها بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن منذ انتخاب ترامب في عام 2016، أصبح من المألوف التحسر على مصير النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، والمتمثل في مجموعة المؤسسات والقواعد والأعراف التي حكمت سياسات العالم. ويلقي كثير من الخبراء باللوم على ترامب الذي غيَّر استراتيجية الولايات المتحدة الكبرى بطريقة غير سليمة، ويأملون أن تعود الولايات المتحدة، بعد رحيله، إلى الدور الذي احتلته منذ سقوط الاتحاد السوفييتي والذي يمكن صياغته بأنه هيمنة بلا منازع في حكم عالَم في طريقه إلى التحرر بطريقة غير عنيفة، وإن كانت تحيد عن المثالية. على الرغم من أن النظام العالمي بعد انتهاء الحرب الباردة لم يكن كتلة متكاتفة، فإنه كان يتوق إلى شكل من أشكال الليبرالية، وافترض الأميركيون أن بقية العالم ستتقبل المبادئ الأساسية للنظام الليبرالي بالتدريج، مثل الديمقراطية وحرية التجارة وسيادة القانون. وبفضل القوة الاقتصادية والعسكرية غير المسبوقة، كان بإمكان الولايات المتحدة فرض سياسة خارجية تسعى إلى إعاقة سيطرة القوى العظمى المنافسة. لكن بحلول عام 2008 كانت الولايات المتحدة تتعثر، فالخطوات الخاطئة في الشرق الأوسط، التي تبعتها الأزمة المالية العالمية، أعطت إشارة إلى المنافسين المحتملين بأن الولايات المتحدة لم تعد ذلك الكيان الحصين. ويرى مراقبون أن على واشنطن مواصلة السعي وراء تعاون القوى العظمى من خلال المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، لكن في المجالات التي لا تحكمها القواعد الدولية بالفعل، مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والفضاء الإلكتروني، فعليها أن تستعد لمنافسة خصومها، في حين يعمل حلفاؤها على إرساء القواعد الجديدة للطريق. لم يكن لدى الولايات المتحدة أي منافسِين بارزِين على الصعيد الجيوسياسي لمدة نحو ثلاثة عقود بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. أما اليوم، فلديها اثنان: الأول روسيا، وهي قوى انتقامية، لكن ركودها الاقتصادي سيحسر نفوذها الدولي على مدار العقد القادم. والخصم الثاني للولايات المتحدة هو الصين، التي في هي طريقها إلى أن تكون المنافس المكافئ الحقيقي الوحيد. فبكين تسعى بكل وضوح إلى إعادة إرساء هيمنتها في آسيا. الصين الآن في طريقها إلى أن تصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم قبل عام 2030 على صعيد إجمالي الناتج المحلي، ويقترب قطاع التكنولوجيا فيها من مثيله الأميركي بالفعل، على مستوى الإنفاق على البحث والتطوير وحجم السوق. وأصبحت المقاييس المعتادة للقوة مجرد جزء من القصة، بفضل التكنولوجيا المدمرة مثل الذكاء الاصطناعي الذي ينتشر بسرعة لكنه لا ينتشر بالتساوي، وقد تشجع على التصعيد بعد أن قللت من تكلفة الصراع، فالقوات العسكرية أصبحت أقل اعتماداً على القوى البشرية، وأصبح التدمير أدق. قد تخلق دول مثل الصين، بقدرة حكومتها على الدخول إلى قاعدة بيانات ضخمة عن المواطنين، وبسيطرة الدولة على الإعلام، وفي ظل غياب حقوق الخصوصية والحريات الفردية، أنواعاً جديدة من “السلطوية الرقمية” التي تسمح لها بالاستغلال الكامل للذكاء الاصطناعي في الأغراض العسكرية والسياسية. وعلى الرغم من أن قطاع التكنولوجيا بالولايات المتحدة هو الأكثر تقدماً في العالم، هناك إشارات إلى أن الحكومة قد تعاني مشاكل في تسخيره.

مشاركة :