ماء العماء الأول - أميمة الخميس

  • 5/27/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في الأسطورة السومرية يقولون إنه في بداية التكوين لم يكن هناك إلا (ماء العماء الأول، وهو الذي انبثقت عنه المخلوقات) بحسب ما كانوا يعتقدون! حيث لا ملامح لذلك الماء، لا نبض، لا طبيعة، لا حضارة فقط ماء غامض يسبق الكينونة، كمصهور أسيدي غامق.. وداعش.. ليست إلا ماء العماء الأول.. تنسكب على وجه العالم فتذيب المكون الحضاري، إكسير ظلامي خال من الإنسانية وأبعادها ومظاهرها، يطمس الملامح ويعيد البشر إلى حالة أميبية تستسيغ فناء المخلوقات حولها لتعيش. عملية الذبح والتهديم والحرق التي ترفع داعش راياتها ما هي إلا رموز لمرجل المصهور الأسيدي الذي تنبثق عنه داعش كتنظيم منبتّ تماما.. لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، بعيدا عن جميع العمران الذي كانه وحاوله سكان ما بين النهرين منذ فجر التاريخ. أُضيف لملف الخطاب الإعلامي المحلي منذ (عشرين عاما) أي بداية حربنا مع الإرهاب المئات من المفردات، وتضخم بالعديد من المصطلحات (الإرهاب، المحرضات، الحاضنات، التعايش، قضايا الشباب، غسيل الأدمغة، الوسطية، التطرف.. وهكذا). وستظل ساحة المواجهة الوطنية تقريبا هي النجاحات الأمنية والإعلام، وما عدا ذلك فهو سلسلة من ردود الفعل التقليدية تبدأ بصدمة يثور المجتمع ضدها كونها تهدد استقراره وتماسكه الوطني، ثم تنطلق أصابع الاتهام بغضب طائش ضد الكثيرين، فيهرع مؤصلو هذا الفكر ليلوذوا بكلمة الوسطية، أو الكلام العام وترحيل التهم إلى المؤامرات الخارجية.. يكون عندها المجتمع قد امتص الصدمة، وبدأت تتخطفه قضايا همّه اليومي، وتطفو على السطح مواضع قصور خدماتي أو تنموي، أو حقوق مواطنة مغيبة.. وتتبدد دماء شهداء الإرهاب بين القضايا السابقة، وأخيرا تهدأ النفوس البشرية بل تنسى.. إلى أن تعود لصدمة جديدة عبر فعل إرهابي آخر. أجزم أنه لا توجد أمّ في الوطن لم يتقلص قلبها جزعا على مرأى الشباب المتورط بجريمة القديح الذين كانوا فريق صناعة التوحش. ومهما وصفناهم بالانحراف العقدي، وبالتوحش، وبالانحراف.. سيكون لهم من الجانب الآخر سلم قيم يرجعون له يبررهم ويباركهم ويمرر لهم صكوك الغفران والخلود. ولن أنسى موقفي مع يافعة صدف وأن تشاركتُ وإياها مجلساً، حيث ذُكر اسم عائلة أحد المتطرفين فاستفسرت: هل تقصدون الإرهابي؟ فالتفتت علي بتأنيب يقترب من التوبيخ قائلة:.. تقصدين المجاهد؟ تأملتها مشدوهة وصمت، لأنني ببساطة أعلم بأن لها سلمها القيمي الخاص الذي تحتكم إليه، وأي نقاش بيننا سيتحول إلى نوع من الجدل العقيم. هؤلاء الفتية لديهم سلّمهم القيمي الذي تجذر في أعماقهم منذ بواكير الوعي كانوا يرجعون له في تفسير علاقتهم مع العالم، والهدف من حياتهم الدنيا، وإعمار الأرض، وعلاقتهم مع الآخر وهكذا.. الباقي هنا بعد جريمة القديح أعتقد أن قاموسنا الإعلامي أصيب بتخمة كبيرة، وليس بحاجة إلى المزيد من المصطلحات تضاف له ولن نقول جديدا عندما نعلن أن خطاب التطرف والكراهية هو من يهيمن على المشهد.. وهو بحاجة لتفكيك. الوطن لم يعد يريد أن يسمع المزيد.. أعتقد أنه آن أوان العمل.. الميدان يريد قوانين، يريد استراتيجيات ويتضور إلى برامج وخطط.. ذلك قبل أن يكتسحنا طوفان.. ماء العماء الأول. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :