تبدي الحكومة العراقية مدفوعة بضغط هائل من إيران وحلفائها في العراق من أحزاب وميليشيات شيعية “إصرارا” على تنفيذ قرار البرلمان إخراج القوات الأجنبية، وتحديدا القوات الأميركية، من البلاد، مثيرة الأسئلة عن الإمكانيات الحقيقية التي تمتلكها حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي لإجبار تلك القوات على المغادرة في ظلّ الرفض الأميركي الصريح لذلك. وأكد مكتب عبدالمهدي أنّ الحكومة لن تتراجع عن قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، بينما يقول وزير الخارجية الأميركي إنّ ما يبديه المسؤولون العراقيون بشأن موضوع إخراج القوات الأميركية من العراق مغاير لما يضمرونه، مؤكّدا أنّ العشرات من هؤلاء المسؤولين عبّروا له عن رغبتهم في بقاء تلك القوات بالبلاد. ومع امتلاك الولايات المتّحدة أوراق ضغط كثيرة، سياسية واقتصادية وأمنية، وفي ظل الهشاشة الشديدة بأوضاع الدولة العراقية، يتساءل مراقبون عن مدى جدّية السلطات العراقية في المضي بتنفيذ القرار. وبالنسبة للولايات المتّحدة، فإن الحفاظ على وجود عسكري لها على الأراضي العراقية، يمثّل حاجة تتجاوز مجرّد المشاركة في محاربة الإرهاب ومنع عودة تنظيم داعش بعد هزيمته العسكرية في العراق وسوريا، إلى مقارعة إيران وتحجيم قدرتها على السيطرة على الأراضي العراقية بواسطة وكلائها المحلّيين وفتح طريق سالكة تربط بين العراق وسوريا ولبنان. حفاظ الولايات المتّحدة على وجودها العسكري في العراق يتجاوز مجرّد محاربة تنظيم داعش إلى مقارعة النفوذ الإيراني وتحجيمه ولذلك يبدو انسحاب القوات الأميركية لمجرّد الاستجابة لقرار البرلمان العراقي ومطالب حكومة بغداد أمرا غير مطروح لدى واشنطن. وقال وليام وردة، المتحدث باسم مكتب عبدالمهدي في تصريح صحافي إنّ “الحكومة ستدعم تصويت البرلمان على انسحاب القوات الأميركية من البلاد”. وأوضح أنه “حتى هذه اللحظة تلتزم الحكومة بتنفيذ قرار البرلمان الذي ينص على أن جميع القوات الأجنبية يجب أن تنسحب من العراق، وأن القوات الأجنبية لا تعني فقط وجود القوات الأميركية، لكن جميع القوات الأخرى”. وصوت مجلس النواب العراقي في الخامس من يناير الجاري على قرار يطالب بموجبه حكومة بغداد بإنهاء التواجد العسكري الأجنبي في البلاد، خلال جلسة شهدت مقاطعة النواب الأكراد ومعظم النواب السنّة. وتقول الحكومة العراقية إنّها تعمل على إعداد الخطوات الإجرائية والقانونية لتنفيذ القرار. لكن طلبها المقدم إلى الولايات المتحدة قبل أيام بإرسال وفد لمناقشة آلية مغادرة القوات، قوبل برفض واشنطن. وتعبّر إيران بشكل صريح على أنّ “طرد القوات الأميركية من المنطقة” هو أكبر جائزة لها وأفضل ردّ على مقتل سليماني القيادي الكبير في حرسها الثوري. وتستخدم طهران وكلاءها العراقيين للضغط على الحكومة العراقية للمضي في عملية إخراج القوات الأميركية من العراق. وهدّدت كتلة تحالف الفتح في البرلمان العراقي والتي تجمع في صفوفها صقور الموالاة لإيران بالتصعيد العسكري ضد القوات الأميركية إذا لم تستجب للقرار العراقي بالخروج من البلاد. والفتح هي ثاني أكبر كتلة في البرلمان العراقي بامتلاكها سبعة وأربعين مقعدا من أصل 329، ويتزعمها هادي العامري وتتألف من أذرع سياسية لفصائل شيعية مسلحة مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق وحركة النجباء. وقال رئيس الكتلة محمد الغبان للتلفزيون الحكومي العراقي إنّ “الحكومة مطالبة باتخاذ التدابير لإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، لاسيما بعد قرار مجلس النواب الأخير”. وأضاف الغبّان أنّ “أي مماطلة أو التفاف من قبل القوات الأميركية سيؤدي إلى تصعيد شعبي ومواجهات عسكرية ضدّها”، محذّرا من “زعزعة أمن المنطقة وتضرر العلاقة بين بغداد وواشنطن”. وتعبيرا عن الرفض الأميركي لمناقشة سحب القوات من العراق، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إنّ جميع القادة العراقيين أبلغوه في مجالس خاصة بأنّهم يؤيّدون الوجود العسكري الأميركي في بلدهم، على الرّغم من المطالبات العلنية بخروج الجنود الأميركيين من العراق. وأكّد بومبيو الذي ترفض وزارته غالبا نشر تفاصيل اتصالاته، إنّ ما سمعه خلال محادثات أجراها مع حوالي خمسين مسؤولا عراقيا منذ مطلع الشهر الحالي يتعارض مع ما يعلنه هؤلاء في العلن. وردا على سؤال خلال ندوة في جامعة ستانفورد قال الوزير الأميركي “لن يقولوا ذلك علنا. لكنّهم في المجالس الخاصة يرحّبون كلّهم بوجود أميركا هناك وبحملتها لمكافحة الإرهاب”. كما اعتبر أن الجنود الأميركيين يعملون على ضمان عدم عودة تنظيم داعش و”يؤمّنون للعراقيين فرصة لنيل السيادة والاستقلال اللذين تريدهما غالبية العراقيين”. وفي الندوة الجامعية التي شاركت فيها وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، قال بومبيو إنّه تحادث مع قادة من كل الانتماءات في العراق بمن فيهم قادة من الغالبية الشيعية. وعمليا لا تمتلك الدولة العراقية، التي تمرّ بأضعف حالاتها، وتشهد انفصالا كبيرا بين الحكومة والشارع الذي يغلي بالتظاهرات منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أي أوراق للصمود في وجه ما قد تتخذه واشنطن ضدّها من إجراءات عقابية ردّا على مساعيها لإخراج القوات الأميركية من البلاد. ومن أكثر الإجراءات إيلاما للعراق في مرحلته الحالية تسليط عقوبات اقتصادية ستكون قاتلة لاقتصاده الهش والمتداعي أصلا والمرتهن لعائدات النفط كمصدر وحيد للدخل. وهدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على العراق إذا قررت سلطاته إخراج الجنود الأميركيين البالغ عددهم حوالي 5200 جندي. وقال مسؤولان عراقيان لوكالة فرانس برس إن الرئيس الأميركي حذّر بأنّ بلاده ستجمّد حساب الحكومة العراقية في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ما ستكون له انعكاسات كارثية على اقتصاد العراق.
مشاركة :