الإفراط في الحديث عن الطعام الصحي قد يأتي بنتائج عكسية لدى الطفل

  • 1/15/2020
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بات الحديث عن أهمية الطعام الصحي خاصة في الجلسات العائلية المغلقة وبحضور الأطفال، أمرا أساسيا إن لم يكن هو الموضوع الأكثر أهمية على الإطلاق، وقد يتطور ليصبح هوسا عند بعض الأمهات تحديدا يدفعهن إلى ذلك الحرص على صحة الأبناء وعدم رغبتهن في تكرار تجربة طفولة غير سعيدة ربما، بسبب تداول الأطعمة غير الصحية ومنها الحلويات بكثرة ومن دون رقيب لما لها من تأثير سلبي على صحة الأطفال إضافة إلى كونها سببا رئيسا في زيادة الوزن. مع ذلك، تحذر الأبحاث الأخيرة في مجال التغذية من الإفراط في الحديث عن الطعام الصحي، والمبالغة في استنزاف الوقت والجهد في التحذيرات الصحية وتبيان جدوى الوجبات الغذائية المتوازنة، ومنها المخاوف المتعلقة بتناول الوجبات السريعة إضافة إلى المواد الغذائية المصنّعة، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تضييق الخناق على الأطفال بمحاصرتهم بكل هذه المسميات والطلبات التي تشبه الأوامر، فهذا التركيز المفرط على الطعام ستكون له تداعيات صحية خطيرة على المدى البعيد وبدلا من ذلك يتوجب على الآباء خلق نوع من التوازن في العادات الصحية اليومية، ولا ضرورة للإشارة إلى كل التفاصيل الأخرى في كل دقيقة من حياة الطفل. تشير د. توفا كلاين، مديرة مركز تنمية الطفل في كلية بارنارد وأستاذة مشاركة في علم النفس، إلى أنه أصبح مفهوما لماذا كل هذا التركيز المبالغ فيه على الحديث عن الطعام الصحي سواء في المنازل أو المدارس، فنحن نعاني من أزمة صحية في عموم العالم تتعلق بالسمنة. على سبيل المثال ووفقا لبيانات المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (سي.دي.سي)، فإن السمنة بين الأطفال ازدادت بمقدار الضعف خلال العقود الثلاثة الماضية، وسجلت بيانات العام 2012 وحده أن أكثر من ثلث الأطفال والمراهقين يعانون من السمنة أو زيادة الوزن، وهذا أمر مزعج حقا إذا ما تدبرنا الآثار الصحية الخطيرة للسمنة على المدى البعيد في حياة الطفل ويصبح راشدا، منها أمراض القلب والسكري. إلى ذلك، تم تحديد مسببات هذا الوضع المقلق في الأطفال خاصة، وكان من أبرزها أن 8 بالمئة من الأطعمة المصنعة والمعروضة على أرفف المتاجر مضاف إليها السكر بنسب متفاوتة، إضافة إلى أن شركات صناعة الأغذية والمشروبات تنفق ما يقارب الملياري دولار كل عام في أميركا وحدها لتسويق الوجبات السريعة للأطفال، في حين أن شركات ومصانع الوجبات السريعة وحدها تنفق قرابة 5 ملايين دولار يوميا لتسويق هذه الوجبات، فكيف يتم هذا الأمر؟ ببساطة، يقول متخصصون إن إعلانات التلفزيون والإنترنت والشارع وغيرها من وسائل الترويج المعروفة هي وسائل الجذب السريع للأطفال وحتى الكبار لاستهلاك الأطعمة غير الصحية، إذا ما علمنا أن أكثر من 40 بالمئة من السعرات الحرارية الداخلة إلى جسد الطفل يوميا مصدرها السكريات والدهون المضافة من هذه الأغذية وغيرها، التي تزدحم بها رفوف متاجر المواد الغذائية المنتشرة في كل مكان. ومع ذلك، هناك حقيقة مستندة إلى أبحاث في التغذية تؤكد أن أنماط الأكل لدى معظم الأطفال تتحدد عند سن الخامسة، ولأنها غير شاملة فهذا يعني أنه من الممكن تغيير عادات الأكل بشكل أفضل وربما بالتدريج، وهذا هو ما يجعل عملية التغيير أكثر صعوبة مع التقدم في العمر. يتضح هذا من خلال نتائج دراسة حديثة أجريت على عينة من أكثر من 7000 طفل أميركي في مرحلة رياض الأطفال، أظهرت أن ثلث الأطفال ممن يعانون من السمنة في سن الخامسة يعانون بالضرورة من السمنة المفرطة في بداية المدرسة الثانوية أي حوالي في سن الـ12، وربما تستمر هذه السمنة حتى سن البلوغ، ما يؤكد أن تثبيت مفاهيم الغذاء الصحي والعادات الصحية المرافقة له يبدأ في سن مبكرة من عمر الإنسان لتصبح نمط حياة من الصعوبة تغييره. الإفراط في الحديث عن الطعام الصحي من شأنه أن يؤدي إلى تضييق الخناق على الأطفال بمحاصرتهم بالطلبات التي تشبه الأوامر لعل هناك ما يثير القلق حقا للآباء وهم يتعرفون إلى هذه المعلومات والدراسات المهمة، الأمر الذي يفسر سلوكهم مع أبنائهم في ما يتعلق بالطعام والحديث الذي لا ينتهي عن الأكل الصحي وضرورة تغيير أسلوب الحياة، وغيرها من الحكايات اليومية التي أصبحت قاسما مشتركا في يومياتنا لكنها، للمفارقة، ترافق ظهور إعلانات الطعام اللذيذ ووجبات الطعام السريع التي يتنافس مصنعوها في محاولة القبض على إرادتنا وحيدها حتى لو كانت من حديد، وذلك بالترويج لكل ما لذ وطاب بأسعار تنافسية ووسائل توصيل مجانية وسريعة ومن دون الحاجة إلى أي جهد للحصول عليها، فطلب وجبات الطعام عن طريق الإنترنت قطع الطريق تماما على أي أمل في القيام بمجهود رياضي بسيط والحصول على الوجبة بزيارة المطعم بصورة شخصية. مع ذلك، فإن الآباء والأمهات هم القوة المحورية التي تدير عمليات استهلاك الأطعمة في المنزل والكيفية والكمية التي يتم بها تحضيرها وتوزيع الحصص وغير ذلك، من خلال القيام بالتسوق وتجنب أو التقليل من الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، إضافة إلى حث الأطفال وترغيبهم في استهلاك الخضراوات والفواكه بدلا من الحلويات مثلا. لكن النوايا الطيبة قد لا تكفي عندما تأتي النتائج عكسية تماما، إذ أثبتت الأبحاث أن ممارسة الضغوط على الأطفال من أجل تناول الطعام الصحي فقط ربما تأتي بنتائج عكسية لأنها تغذي مشاعر القلق لديه بشأن الطعام وتجعله محط اهتمامه بصورة أكبر. وفي ما يتعلق بالحلويات فإن اعتبارها مكافأة لا تقدم إلا في المناسبات أو عطلة نهاية الأسبوع أو حظر تناولها تماما قد يزيد ذلك من استهلاكها، فكل ما هو ممنوع مرغوب بالضرورة.

مشاركة :