يفصلنا عن الانتخابات البرلمانية التركية 13 يوماً، لكن الغموض يلف نتائجها. وجرت العادة على أن تبلغ نسبة المترددين في اختيار حزب والتصويت له 15 في المئة كما هي الآن، وأن تتقلص هذه النسبة إلى 5 في المئة قبل أسبوعين من الانتخابات بعد أن تحسم غالبية الناس أمرها. لكن على خلاف العادة، لم تتقلص هذه النسبة ولم تتراجع عن 15 في المئة. وتأتلف هذه النسبة من ناخبين سبق أن اقترعوا لـ «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إننا قد نشهد مفاجآت في هذه الانتخابات. فهو يأمل في أن تتجه هذه الكتلة كما هي للتصويت للحزب الحاكم. فيعود مظفراً إلى الحكومة. من المسائل الغامضة في الانتخابات، حظوظ حزب «الشعوب الديموقراطية» في دخول البرلمان. فإذا نجح، خلط كل الأوراق. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيتخطى العتبة البرلمانية. ولا يستخف بأهمية عدد النواب من الحزب الحاكم الذين سيعودون إلى البرلمان. ففي هذه الانتخابات ليس المهم النسبة التي سيحصل عليها الحزب الحاكم، بل عدد المقاعد البرلمانية التي سيتغير توزيعها كلياً إذا تجاوز حزب «الشعوب الديموقراطية» حاجز العشرة في المئة ودخل البرلمان أو إذا تقاسمت الأحزاب الثلاثة الرئيسية حصته في حال بقي خارج البرلمان. ويسعى الحزب الحاكم إلى حشد الناخبين. وداود أوغلو يعمل مثل نحلة لا تكل، ويشارك في مهرجانات انتخابية عددها ضعف عدد مهرجانات منافسيه. ويشارك الرئيس أردوغان كذلك في هذه المهرجانات. ولكن لماذا تبدو أصوات الحزب الحاكم كأنها في تراجع؟ هل أربك الناخبين وجودُ زعيمين في الحملة الانتخابية؟ وإذا عجز الحزب الحاكم عن استمالة هذه النسبة من الناخبين المترددة التي سبق أن اقترعت له ولكنها اليوم في خصام معه، استيقظ الأتراك في 8 حزيران (يونيو) على حكومة ائتلافية. ولا شك في أن حزب «العدالة والتنمية» بارع في حفر الأنفاق وبناء الجسور وتنفيذ المشاريع العملاقة. لكن هذه المرة يبدو أن شطراً من الناخبين في شقاق مع الحزب ولا تشغله مشاريعه، بل العلاقة العاطفية به. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بلغت شعبية الحزب الحاكم 55 في المئة، ثم تراجعت إلى 50 في المئة في كانون الثاني (يناير) الماضي، ثم بدأت تتقهقر مع بداية أيار (مايو) الجاري. فما الذي حدث؟ إذا كان الحزب الحاكم عاجزاً عن جذب ناخبيه بواسطة الخطط السابقة والشعارات نفسها، فهذا يشير إلى مشكلة حقيقية! وهذه المشكلة تجد تربة خصبة لها في وسط الأكراد الذين يعيشون في اسطنبول والمتدينين الذين دأبوا على التصويت للحزب. وهؤلاء يزعجهم كلام الحزب الحاكم على الملف الكردي، وبعضهم يشعر بأنه ابتعد عن الشعب وعن الشارع. وحزب «الوطن الأم» عاش تجربة مشابهة في انتخابات 1989 المحلية حين وجه إليه الناخب تحذيراً بسبب ابتعاده عن رغبات الشارع الأساسية، ثم بلغ زعيم الحزب ترغوت أوزال إلى القصر الجمهوري وتراجع الحزب تدريجاً إلى أن اندثر. والقصص الإسلامية أثيرة على قلوبنا نحن المتدينين. وأذكر قصة الأعرابي الذي قال لسيدنا عمر شاهراً سيفه «... نقومك بسيوفنا يا عمر». فحمد سيدنا عمر القدير على وجود من سيقومه بالسيف إذا أخطأ. لكن اليوم نسمع كثيراً من المقربين من الرئيس أردوغان يتبارون في الإسفاف في مديحه. وقال أحد كبار رجال الأعمال أنه يفتدي أردوغان بأبيه وأمه، وأنه يحب أردوغان حباً صوفياً عارماً، وأعلن أحد مستشاري الرئيس أنه يملك مسدسين ومئات الطلقات وأنه سيقف على باب القصر الرئاسي لحماية أردوغان من معارضيه. وهذا النوع من الكلام يلحق الضرر بأردوغان ويشوه صورته في الشارع. ولا شك في أن الرجل قدم الكثير لتركيا ويجب شكره على ذلك. ولكن ارتفاع عدد الذين يبالغون في مديحه يثير حفيظة الناخب التركي الذي يريد أن يرى أردوغان المتواضع والقريب من عامة الناس. ولا يخفى على أحد أن أول من سيترك أردوغان إذا تعثر في مشواره السياسي هم هؤلاء المتملقون. وإذا أراد الحزب أن يشد اللحمة بين الناخب والحزب، فلينتبه إلى هذه التصرفات، قبل فوات الأوان. * كاتب، عن «يني شفق» التركية، 25/5/2015، إعداد يوسف الشريف
مشاركة :