مشاهد ومجسمات فنية، تخالها لأول وهلة أنها حقيقية أبدعها الفنان السوري عبدالرحمن عيد، في محاولة لاستعادة الذاكرة التاريخية للأحياء القديمة، عبر تجسيد الأبنية المعمارية، ومنحها بعداً واقعياً، في تفاصيل مصغرة بنمنمات دقيقة تعكس جوانب من الحياة الاجتماعية والثقافية لساكنيها، لتغدو تحفاً فنية غنية يكاد أن ينبعث الصوت من إحدى شرفاتها في إشارة إلى احترافية العمل ودقته. يقول التشكيلي والنحات عبدالرحمن عيد، المختص في مجال الترميمات الأثرية وترميم الأعمال الفنية النادرة، إن ما يفعله يندرج تحت فن المجسمات «الديوراما» أو فن المنمنمات «المصغرات»، موضحاً أنه بدأ بممارسته في سن الخامسة عشرة، حيث صنع مجسم بيت دمشقي قديم، ودمج بين الرسم والتجسيم والنحت في أول تجربة له، وسرعان ما توسع في هذا المجال، ليتمكن من ترميم قطع فنية قديمة ونادرة، ولوحات فنية، ومخطوطات إسلامية قيّمة، كما خاض تجربة ترميم مبان تاريخية في سوريا. وحول مفهوم فن المصغرات وتاريخه، يقول: هو فن تجسيد الواقع بطريقة مصغرة، وهي كلمة يونانية الأصل، وقد انتشر في القرن الثامن عشر، وكان عبارة عن صندوق وبداخله مجسمات ثلاثية الأبعاد ينظر إليها من خلال ثقب وكان وسيلة ترفيهية لتقديم رؤية لمشهد كبير في مساحة صغيرة مثل الحروب، والأحداث التاريخية، والقصص المثيرة. ويتابع عيد: «انتشر هذا الفن في أوروبا على يد الرسام والمخترع الفرنسي لويس دايجور وزميله تشارلز ماري، وكان بناء نماذج السفن الشراعية حينها حرفة منتشرة يتقنها البحارة في بعض الدول الأوروبية، وقد بني أكبر مجسم ديوراما حينها في عام 1815 من قبل وليم سيبون، لتجسيد معركة «واترلو» على مساحة 50 متراً مربعاً، وباستخدام 70 ألف جندي نموذجي مصغر، وهو الآن معروض في المتحف الوطني للجيش في لندن». ويذكر أن فن الديوراما يستخدم حالياً على نطاق واسع عالمياً في المتاحف التاريخية والبيئية والحيوانية وصناعة السينما والمسارح، إلى جانب اعتباره وسيلة تعليمية حديثة تستعمل في مدارس غربية لتمثيل الأحداث التاريخية والمناطق البيئية لغرس فكرة الإبداع لدى المتعلمين. ويقول عيد إن هذا الفن يستعيد جمالية البيوت التقليدية وما فيها من ترابط اجتماعي وثقافي، مؤكداً أن غياب التسويق لهذه الأعمال الفنية من أبرز الصعوبات التي يواجهها.
مشاركة :