قطع دونالد ترامب حين كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية عام 2016 وعدا لناخبيه بأنه سيسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. أراد الرجل شنّ حملة على عهديْ باراك أوباما في التصويب على مجموعة من الملفات الداخلية والخارجية. وأراد بهذه المناسبة إعادة النظر في مقاربة واشنطن في التعامل مع الجمهورية الإسلامية، متبعا مطالب كانت تنمو داخل المؤسسات الأمنية في هذا الاتجاه. غير أن المرشح ترامب آنذاك أرفق وعده بشأن إيران والاتفاق النووي بوعد آخر لناخبيه، بأنه سيسحب بلاده من الحروب التي تورطت فيها في بقاع عديدة في العالم، وبالتالي فإنه لن يورط بلاده في حروب جديدة. وقد أثبت الرئيس الأميركي أنه يميل فعلا إلى هذا الخيار، وإن كانت المؤسسات العسكرية والأمنية في بلاده تدفعه إلى تخفيف حدة اندفاعه نحو الانسحاب من النزاعات. وقد استخدم ترامب المرشح والرئيس منصة تويتر لإطلاق تغريداته العنيفة بديلا عن أي استخدام للقوة. حتى أن تصريحاته المهددة ضد كوريا الشمالية وزعيمها ساقت كيم جون أون إلى طاولة المفاوضات، وسمحت لترامب بالتقاط صور معه كانت كافية للرئيس الأميركي للمفاخرة بإنجازه وتسويقه كمرشح للانتخابات المقبلة خريف هذا العام. وحتى إعطاؤه أمرا بمعاقبة النظام السوري لاستخدامه أسلحة دمار شامل كيمياوية محرمة دوليا باستخدام الصواريخ ضد قاعدة الشعيرات عام 2017، كان محسوبا بدقة، ويكاد يكون مدبراً، بما يضع حدودا لأي عملية عسكرية أميركية هناك، ناهيك عن تكرار رغبته في سحب القوات الأميركية من سوريا، بما يسلط الضوء على صدق نزوعه نحو تجنب الحرب وأهوالها. وإيران بدورها رسمت إستراتيجيتها في مواجهة الولايات المتحدة، منذ بدء فرض العقوبات التي تلت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، والثابت لدى الرئيس الأميركي أنه لن يذهب في ضغوطه ضد إيران إلى درجة استخدام القوة العسكرية. ترامب بات يعدد إنجازاته ويضع داعش والفصائل العراقية التابعة لإيران في تصنيف واحد في جهود بلاده لمكافحة الإرهاب والأمر ثبت وكان في حكم اليقين حين أسقطت صواريخ إيرانية طائرة مسيرة أميركية فوق مياه الخليج في يونيو الماضي. وكان منتظرا أن تقوم الولايات المتحدة برد عسكري، إلا أن ترامب بقي منسجما مع ما وعد به واعتبر أن خسارة آلة حرب دون سقوط ضحايا أميركيين لا تستحق ردا عسكريا قد يُسقط ضحايا إيرانيين. ولكن تبدلا طرأ على خيارات ترامب المرشح، لا الرئيس، فرض عليه إسقاط وعود الحملة الانتخابية السابقة والذهاب إلى نقيض ذلك مع إيران كرافعة له في الحملة الانتخابية الحالية. فقرار قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ليس وليد نزوة انتخابية بل أتى بناء على معطيات تكدست لدى مؤسسات الأمن الأميركية التي اقترحت على الرئيس إزاحة سليماني. غير أن موافقة ترامب السريعة ورفده أمر ذلك باستعداده للذهاب إلى مواجهة كبرى ضد إيران يكشفان أن إيران باتت عنوانا أساسيا من عناوين حملته الانتخابية. ويعتقد خبراء أنه توفرت لدى طهران قناعات في هذا الصدد بأن إدارة واشنطن باتت برئاسة ترامب جاهزة للخيارات القصوى ضدها، وأن أمر الحرب لم يعد عاملاً مشوشاً على حظوظ ترامب الانتخابية، بل على العكس تماما، بات يشكل درعا واقيا ضد الحملات الداخلية التي يشنها خصومه الديمقراطيون والتي وصلت إلى حد تصويت مجلس النواب لصالح محاكمته وعزله، وبات يشكل رمحاً يستطيع من خلال الهجوم على منافسيه في الانتخابات المقبلة بصفته المدافع الشرس عن مصالح الولايات المتحدة في العالم. ففي تجمع انتخابي صاخب في ميلووكي، تفاخر ترامب بالفضل في تغيير وجهات نظر الإيرانيين حول الولايات المتحدة، وإزاحة رجل وصفه بأنه أكثر الإرهابيين فتكا في العالم، والدفاع عن القوات الأميركية ودبلوماسيي الولايات المتحدة، متهما منافسيه الديمقراطيين بالتشويش على إنجازاته الخارجية. وبات ترامب يعدد إنجازاته ويضع تنظيم داعش والفصائل العراقية التابعة لطهران وإيران نفسها في تصنيف واحد في جهود بلاده لمكافحة الإرهاب. بدا أنه يقدم لناخبيه جردة حققها في ميادين عديدة في هذا المضمار، لاسيما قتل سليماني وأبوبكر البغدادي زعيم داعش. ويسعى ترامب في ذلك إلى رد السهام التي أطلقها الديمقراطيون ضد قرار قتل سليماني حين تساءلوا عما إذا كانت إدارة ترامب قد خططت بشكل صحيح للتداعيات. وفي ذلك التجمع الانتخابي، الثلاثاء، لم يتحدث ترامب عن سليماني بصفته قائدا عسكريا بل بصفته “الإرهابي رقم 1 في العالم”، فيما قال نائب الرئيس مايك بينس “لم يكن سليماني ‘مسؤولا حكوميا’. لقد كان إرهابيا وكان الرئيس ترامب على حق في الإطاحة به”. وفي تجمع انتخابي في ولاية آيوا في اليوم ذاته، ركز ترامب هجومه على المرشح الديمقراطي المحتمل بيرني ساندرز. وسخر من مواقف أكثر المرشحين الديمقراطيين راديكالية على يسار الحزب، مستغربا أن “الديمقراطيين غاضبون من أننا قتلنا هذا الوحش الإرهابي، على الرغم من أنه كان وراء مقتل المئات والمئات من الأبرياء”. وجد ترامب في هذا التجمع مناسبة ليرد على ساندرز. وكان الأخير قد استهجن قتل سليماني وقال إنه يشعر بالقلق إزاء احتمال إشعال حرب أخرى في الشرق الأوسط ووصف الخطوة بأنها “جريمة قتل”. فساندرز جعل من موقفه المناهض للحرب حجر الزاوية في حملته الانتخابية، وكان عارض في السابق غزو العراق عام 2003 ولم تحظ مواقفه بأي شعبية آنذاك. والظاهر أن قتل سليماني واحتمالات الحرب مع إيران ستأخذان حيزا داخل حملات المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة. سيركز الديمقراطيون هجومهم على انتقاد خيارات المرشح ترامب ضد إيران وسيسعون من خلال الكونغرس إلى تقييد يد الرئيس الأميركي في مسألة شن حرب، فيما سيركز الجمهوريون، ومرشحهم بالذات، على مخاطر إيران وعلى قدرتهم وقدرة مرشحهم على التصدي لتلك المخاطر. فمنذ قتل سليماني، ركز ترامب والبنتاغون على أن رجل إيران الثاني كان يخطط لشن هجمات على السفارات والقواعد العسكرية الأميركية.
مشاركة :