عندما تحدث أحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، أو ما يطلق عليهم مصطلح «فاشينيستات» عن دخله الشهري «الفاحش» الذي قال إن ما يحصل عليه في شهر يوازي دخل أي طبيب في سنتين، لم يكن يبالغ من جهة، وفتح الباب على مصراعيه، من جهة ثانية، لمناقشة دخل هذه الفئة من الناس، ودور مئات الآلاف ممن يطلق عليهم مصطلح «فولورز» أي المتابعين، في تكوين ثروة يحلم بها كبار التجار ورجال الأعمال، من دون مقومات – لدى معظم هؤلاء المشاهير – سوى اللعب على رقم المتابعين، ودغدغة مشاعرهم واستفزاز أحلامهم، لاستقطاب الشركات والتجار الذين يسعون لإيصال بضاعتهم إلى شريحة واسعة من المستهلكين.وبعيداً عن سلوكيات وأساليب المشاهير – من الجنسين – في استقطاب المتابعين لرفع أجورهم الإعلانية، تفتح «الراي» ملف المتابعين أنفسهم، وتبحث عن الدوافع النفسية والاجتماعية التي تجعل الشباب والبنات يتتبعون تفاصيل ودقائق حياة هذا الفاشينيست أو تلك الفاشينيستا، والاندفاع غير الواعي خلفهم، إلى درجة الهوس الذي نقلته مقاطع انتشرت عن تدافع مجنون من جمهور المراهقين والشباب تجاه أحد المشاهير في مجمع تجاري أو محل جاء ليعلن له عن بضاعة ذلك المحل، وتقليده في قصة الشعر واللباس وحتى أسلوب الحياة، إضافة إلى الجانب التربوي والنظرة الشرعية لهذه المتابعة، والرأي القانوني في ما يقدمه هؤلاء المشاهير لمتابعيهم، فخرجت بهذه الحصيلة.الدوافع النفسيةوقالت أستاذة علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت الدكتورة أمثال الحويلة إن تأثير الفاشينيستات في الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعود لفقدان القدوة من جهة، وعمليات التسويق لهم من جهة ثانية، حيث أصبحت بعض الدوائر والمؤسسات تعتمد على هؤلاء في الترويج والتسويق لها، ولذلك أصبح هؤلاء المشاهير موجودين في العالمين الافتراضي والواقعي، وأصبح تأثيرهم ممتداً إلى واقعنا الاجتماعي.وأرجعت الحويلة، في تصريح لـ«الراي»، هذا التعلق بالمشاهير إلى رواج «السوشيال ميديا» الذي بدوره أظهر اضطرابات أهمها «النموفوبيا» وهي الشعور بالخوف من فقدان هذا الجهاز والاضطراب المرافق لهذا الخوف، مشيرة إلى أن الهاتف الذكي أصبح مسيطراً على كياننا وشخصيتنا وأماننا وفقدانه يعني فقدان التواصل مع الآخرين الأمر الذي تحول إلى إدمان.وأضافت ان الشباب يجدون أحياناً ضالتهم، إذا كانت عندهم صعوبة تخطي مشكلة ما، في اللجوء إلى المشاهير للتخلص من تلك الصعوبات، أضف إلى ذلك أن مشكلة المراهقين هي في بحثهم المتواصل عن قدوة أو مسار حياة، فلا يجدون غير المشاهير الذين تحولوا إلى قدوة بسبب تكرار ظهورهم اليومي، ونحن لا ننكر تأثير هؤلاء المشاهير في حياتنا وفي ترويج الأفكار والسلوكيات.بدورها، أرجعت رئيسة جمعية علم النفس الكويتية الدكتورة آسيا الجري ظاهرة متابعة مئات الآلاف من الشباب للمشاهير إلى «وسائل الإعلام التي ساهمت في جعل السارق قدوة بتسليط الأضواء عليه وعلى استفادته من السرقة، في حين لا يتم تسليط الأضواء على العقوبات التي تقع عليه». ورأت أن «الصغار ينبهرون ببعض المشاهير الذين ينجذبون إليهم ويتخذونهم قدوتهم المثلى، ويقلدونهم»، مبيّنة أن تأثير تلك الشخصيات يختلف باختلاف المرحلة العمرية التي يمر بها، فمن كان في مرحلة سابقة ينبهر بشخصية معينة قد لا ينبهر بها في مرحلة لاحقة، وينجذب الناس بشكل عام إلى المشاهير لظهورهم بكثرة في مختلف وسائل الاعلام، حيث يرى المراهقون هذه الشخصيات انها ناجحة ومتميزة لأنهم أصبحوا معروفين ويحققون الثراء السريع وبطرق سهلة لا عناء فيها كأي عمل آخر، ورغبة الانسان بالمال والتميز تدفعه إلى هذا التقليد.مسؤولية تربويةوفي الجانب التربوي، قال الدكتور تركي العازمي إن أي شخص من المشاهير لا يحمل رسالة تنموية أو ثقافية أو اجتماعية مغلفة بحس وطني يراد منه رفع مستوى المعرفة لدى المستقبلين، مشيرا إلى أن الكثير منهم يسيئون استغلال شهرتهم، بجعل المتلقي مطية يوصلون من خلالها بضاعتهم أو معلومات مغلوطة لدرجة أنهم يتعاملون معها وكأنها مصدر رزق للتسويق لأفكار أو منتجات.ووجه الأستاذ محمد المليفي رسالة للمشاهير بأن «يضعوا الله أمامهم في كل رسالة أو صورة أو كلمة وفيديو يقدمونه للمتابعين، وخصوصاً أن على عاتقهم مسؤولية كبيرة لأن لهم تأثيراً على من يتابعهم، خصوصاً أن شريحة المتابعين ليست واحدة إذ تجد الصغير أو الكبير أو الرجل أو المرأة، لذلك من الواجب عليهم انتقاء الكلمات واختيار المواضيع والرسائل المراد توصيلها بعناية». كما دعا أولياء الامور لمتابعة أبنائهم ومن يتابعون وتوجيههم في متابعة أشخاص لهم تأثير ايجابي.من جانبه، رأى الإعلامي والتربوي مشعل السمران أن للإعلام دوراً كبيراً بمساعدة المشاهير، من خلال الاهتمام بنشر دعايتهم بغالبية القنوات، والتسويق لكثيرة متابعيهم ما يساعد على جلب عدد مشاهدات كبير، سواء لصاحب الدعاية أو أصحاب القنوات، وهذا ماجعل هذه الفئة تستغل المتابع، حيث أصبح باعتقاد البعض أن صاحب الدعايات الكثيرة، سواء كان ذا مصداقية أو لا، هو أكثر شخصية مؤثرة.المسؤولية القانونيةولأن صلب عمل المشاهير يتمثل في استغلال شهرتهم للتسويق التجاري، والعمل على الإعلان وعرض منتجات محددة لجمهور متابعيهم، فقد أصبحت المسؤولية القانونية مرافقة لعملهم، نتيجة تعرض الكثير منهم لشكاوى ودعاوى قضائية للضرر، كان أبرزها شكوى حول وفاة فتاة تناولت أدوية لتخفيف الوزن كانت إحدى الفاشينيستات قد أعلنت عنها، وهو ما يدفع للسؤال عن المسؤولية القانونية للمشاهير تجاه ما يعرضونه أو يسوقونه. وفي هذا السياق، أوضح المحامي عبدالله السهيجان أن المشاهير يأخذون حكم «المُعلِن» أو «المُروِّج» لسلعة ما عبر أي وسيلة من وسائل الإعلان، ومنها الحسابات الإلكترونية بمواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فإنهم يتحملون مع المزوّد المسؤولية المدنية والجزائية عن ذلك الإعلان أو الترويج، إذا ما تبيّن في ما بعد أن تلك السلعة المعلن عنها لا تطابق المواصفات أو تضمنت غشاً تجارياً يضر بالمستهلك، مشيراً إلى أن المشهور الذي يعلن عن سلعة يعفى من العقاب في حال إذا ثبت أن المعلومات التي تضمنها الإعلان ذات طابع فني يتعذر عليه التأكد من صحتها، وفي كل الأحوال يعتبر ذلك الفعل المخالف للقانون من قبيل الأفعال غير المشروعة التي تستوجب بعد ثبوتها التعويض عن الضرر المادي والأدبي الذي يلحق المستهلك.وأضاف السهيجان أن من المقرر بنص المادة 227 من القانون المدني، أن كل من أحدث بفعله الخاطئ ضرراً بغيره يلتزم بتعويضه، سواء كان في إحداثه الضرر مباشراً أو متسبباً، ويلتزم الشخص بتعويض الضرر الناشئ عن فعله الخاطئ ولو كان غير مميز. كما نصت المادة 230 من ذات القانون أنه يتحدد الضرر الذي يلزم المسؤول عن العمل غير المشروع بالتعويض عنه بالخسارة التي وقعت والكسب الذي فات، كلما كان ذلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع. وتعتبر الخسارة الواقعة او الكسب الفائت نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، اذا لم يكن في المقدور تفاديهما ببذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص العادي.وأفاد أن المادة 231 من القانون المذكور تتناول التعويض عن العمل غير المشروع والضرر، ولو كان أدبياً. ويشمل الضرر الأدبي على الأخص ما يلحق الشخص من أذى حسي أو نفسي، نتيجة المساس بحياته أو بجسمه أو بحريته أو بعرضه أو بشرفه أو بسمعته أو بمركزه الاجتماعي أو الأدبي أو باعتباره المالي. كما يشمل الضرر الأدبي كذلك ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى وما يفتقده من عاطفة الحب والحنان نتيجة موت عزيز عليه، وخلص من ذلك إلى أنه يحق لكل شخص أصابه ضرر نتيجة الإعلان عن سلعة غير مرخصة أو غير مطابقة للمواصفات، أو بها غش تجاري الرجوع على المُعلن (الفاشينيست) بالتعويض عن ذلك الضرر مادياً كان أو أدبياً، وكذلك حقه في تقديم شكوى جزائية ضده للأسباب السالفة. فاشينيست يتحدث أكد أن الإعلانات تدرّ أموالاً كثيرة لكن محبة الناس وثقتهم أغلى علي كمال: أرفض جني المال على حساب المصداقية نفى الفاشينيست علي كمال الكويتي «صاحب يوميات منصور» استغلال متابعيه إطلاقاً في الإعلانات، مؤكداً أنه لا ينظر للإعلان على أنه غاية يضيف إليه، بل هو يضيف لنفسه وسمعته بأعماله، ولم ينكر أن الاعلانات تدر أموالاً كثيرة، لكن المصداقية ثمنها محبة وهي شيء لا يُقدّر بثمن.وقال كمال لـ«الراي» إنه يمكن أن يحصل على آلاف الدنانير من تقديم الإعلانات، وبعضها تكون بلا مصداقية وواقعية، رافضاً أن يكون جني المال على حساب المصداقية، «فإن فقدت مصداقيتك لم تربح شيئا، لكن إن كسبت مصداقيتك أمام الناس فعندها تربح كل شيء وتكسب رضى الله والناس» مضيفاً «أعتقد شخصياً بأن كل واحد لابد أن يكون له رسالة واضحة ولا يجامل على مصلحته والمصلحة العامة، فالإنسان كلمة وتاريخ اذا تلفظت بكلمة غلط فإن التاريخ لا يرحمك ويسجل عليك». وشدد على أنه «لا يمكن أستغل أحداً، وحتى بالكوميديا التي أقدمها أضحك مع الناس ولا أضحك عليهم وأحب الجميع ولا أفرق بين أحد».وتحدث عن متابعيه قائلاً «على أنستغرام يتابعني 65 ألف شخص، إضافة إلى الآلاف في تويتر وسناب ويوتيوب، وكذلك عبر الواتساب يتم التواصل، وأقدم للمتابعين مواضيع منوعة وكثيرة، منها الكوميدية لكن بحدود، ولا تخلو عن الخروج عن النص، لكن بأدب واحترام للمشاهد، وكل الناس صغيرهم وكبيرهم لزرع الابتسامة على الوجوه والتخفيف من الضغوط المحيطة بهم. كما أنني أنوّع بالمواضيع التي أقدمها والتي لا تخلو من رسائل جدية ولها هدف توعوي للناس».وأضاف «أقوم بتوثيق كثير من زياراتي للديوانيات والأفراح بتصويرها ووضعها على حساباتي، كما أقوم بتصوير رجالات الكويت وتعريفهم لتعرفهم الأجيال الحالية وأركز على الكثير من القضايا المحلية والدولية بكل مصداقية وموضوعية وأمانة، ولا أنقل أي خبر حتى أتحقق من صحته ودقته، حتى لا يكون محل جدل». وتابع «أحب أن أرسل مواضيعي للناس بكل صدق وشفافية، وأركز على الشباب لأنهم هم مَنْ يحمل راية البلاد ويستمرون في مسيرة الوطن بكل ثقة، ودائماً أسلط الضوء على الأعمال الفنية القديمة من مسرحيات وأغان وشعراء وتاريخ البلد من بداية انشاء دولتنا الحبيبة». وختم كمال بالقول «إذا لم يعطك أحد الفرصة، فجّرب أنت بنفسك وأعطها الفرصة، وارصد حكم الجمهور بأن تستمر أو تتوقف، ولا تيأس من الفشل لأن الفشل هو الطريق للنجاح لكن يحتاج تصميماً ومثابرة وصبراً». مواقف وتحركات الحكم الشرعي: المنفعة تحدّد جواز المتابعةفي جانب النظرة الشرعية لقضية متابعة المشاهير، قسّم الداعية والشيخ ناظم المسباح، المشاهير إلى عدد من الأقسام، فمنهم «أهل الفسق والمجون والمعاصي، وهذا الصنف لا يجوز متابعته ولا الإعجاب بشخصيته ولا قوله ولا رأيه، ومنهم أهل البدع والخرافات الذين يدّعون أنهم علماء صالحون، لكنهم لا يلتزمون بالكتاب والسنة، وهؤلاء يلحقون بالصنف الأول لأن ضررهم على الشباب أشد من ضرر أهل المعاصي، ومنهم من لا ضرر من متابعتهم على العقول والأموال والأعراض والدين، وهؤلاء لا بأس من متابعتهم».ورأى المسباح، في تصريح لـ«الراي»، أن «حكم متابعة أي حساب من حسابات المشاهير، يرجع إلى طبيعة نشاط ذلك الحساب فإن كان فيه ضرر ديني أو دنيوي كره متابعته، وإن كان فيه منفعة دينية استحب متابعته، وإن كان فيه منفعة دنيوية أبيح متابعته فالحكم في الشريعة يدور مع علته وجودا وعدما».الموقف القانوني: الفاشينيستات أمام مسؤولية تقصيريةفي الجانب القانوني، أكد المحامي بندر العازمي أن المشاهير أمام مسؤولية قانونية تجاه ترويج الإعلانات عبر حساباتهم، وهي مسؤولية تقصيريه في حال تضرر احد المتابعين من جراء ترويج اعلان عن منتج معين، حيث تتوافر في هذا الحالة شروط المسؤولية، وهي 3 شروط، أولها الضرر الذي يصيب المتابع من جراء تجربة المنتج الذي تم الاعلان عنه من قبل المشهور، وخطأ يرجع إلى المشهور بترويجه إعلانا يحتوي على منتج يضر المتابع، وعلاقه سببية بين الخطأ الذي ارتكبه المشهور والضرر الذي أصاب المتابع للإعلان الترويجي للمنتج.أرصدة المشاهير والعيْن الأمنيةفي العام الماضي، تحركت الجهات المعنية في وزارة الداخلية، للتحقيق في مصدر أموال عدد من الفاشينيستات بعد تضخم ثرواتهن إلى أرقام كبيرة. وكشفت التحريات عن العشرات من المتهمين بتضخم حساباتهم البنكية وضلوع سفارات في ضخ كمية كبيرة من الأموال، ومنحها لعدد من الإعلاميين، ومنهم أصحاب مواقع إلكترونية ومغردون.وأبدت الجهات الرقابية في الدولة اهتماماً كبيراً في ملف تضخم الحسابات، لا سيما أن هناك مبالغ كبيرة قد دخلت حسابات شخصية على دفعات متتالية، ومنها شيكات صرفت وحولت إلى تلك الحسابات. كما أن تحقيقات جرت مع عدد من الشخصيات الإعلامية وأصحاب بعض المواقع الإلكترونية، وتبيّن أن 3 فاشينيستات قمن بشراء 3 بنايات بنحو 14 مليون دينار، ويخوت وسيارات وأساور ماركات تقدر بالملايين، ولديهن حسابات متعددة في بنوك خليجية وعقارات وأبراج في دول عربية وخليجية.وكشفت معلومات عن أن الجهات الرقابية وجدت لإحدى الفاشينيستات حسابات عدة في بنوك محلية وخليجية، ما دفع وحدة التحريات المالية الكويتية لإرسال نماذج اخطار عن المعاملات المشبوهة والخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي وفقاً لأحكام القانون 106 لسنة 2013.المجتمع الكويتي والثقافات الدخيلةنبهت الدكتورة أمثال الحويلة إلى مخاطر عالم «السوشيال ميديا» الذي يتجلى في أن المشاهير ينتمون إلى بلدان مختلفة، وبالتالي إلى ثقافات مختلفة ومتنوعة، حيث قد تكون القدوة خارج البلد، وتفرض تأثيرها كما حصل في تأثر الشباب بالثقافتين الكورية واليابانية. فالانترنت حوّل العالم إلى قرية صغيرة تجمع سكان الكوكب والتأثير أصبح خارج نطاق المجتمع الواحد. كما حذرت من أن المشاهير قد يعانون من اضطرابات انفعالية سلوكية ونفسية قد تؤثر في الشباب وتصنع عندهم سلوكيات غير سوية.
مشاركة :