الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين. أما بعد، فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة الرياض بتاريخ 3/8/1436هـ عن حصة آل الشيخ في مقال لها بعنوان: «معتقل الوفاء التراثي النسوي»، تكلمت فيه بكلام منفلت في بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بعدة المتوفى عنها زوجها وإحدادها عليه، وقد جنت بذلك على نفسها وتهكمت بسنة صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد فيما يلي مقاطع من هذا المقال السيء ثم أنبه على بعض ما اشتمل عليه من الباطل: «مثاليات الوفاء يسقطها التراث عن نفسه «نوع الرجال» فيتزوج بأخرى منذ أن يدفن زوجته، بينما هي تظل تبكي وفاءها أربعة أشهر وعشراً، وتجلل نفسها بالسواد والحزن والتقبيح، ومع الرضا بالقسمة الذكورية تهلّ مزايدات قتل المرأة بموت زوجها؛ لتحرّم عليها الخروج، ورؤية القمر بدرا،ً وشرب القهوة بالزعفران، والتجمل، والتحدث مع الرجال، وغيرها من خرافات التراث؟!! فلله دره من جنون وفاءٍ للذكورة عظيم، تستولد السجون بعضها البعض؛ فمن سجن الولاية إلى سجن الوفاء تواصل المرأة مسيرة الخنوع، سكتت عن السجن الكبير؛ سجن العنصرية فانفرط عقد السجون؛ سجنوا إنسانيتها وسجنوا حريتها وسجنوا وجهها وسجنوا مشاعرها، وسيوالون فتح المزيد من المعتقلات ما دامت امرأة تلد الخنوع بحكم العادة»، «فالمرأة لازالت تواصل سجن نفسها بنفسها بموت زوجها، أربعة أشهر وعشراً، مطمئنة إلى أنها إنما تقضي مدة السجن عبادة لله بواسطة التعبد للزوج المتوفى، وهو أمر يحور ويدور في دوائره اللامنطقية؛ فلا يجد مبرراً أتفه من أن يقيس الوفاء بالحبس، لتسأل المرأة: ما هذا السجن الكئيب المجلل بالسواد؟ فترد:بأن هذا آخر حقه علي، وكأن حقه أن يسجنها حياً وميتاً، يا لها من ذكرى رائعة؛ أن يكون آخر عهد للمرأة بزوجها هو السجن، فأي ذكرى جميلة! وأي وفاء تقدمه قرباناً لربها؛ تقسمه بينه وبين رب السماء، عادة استعبادية فرضها التراث المأفون ودعمها بأكاذيبه المسترشدة بحس الوفاء المنقوص (الذي لايطالبه بالمثل بالطبع) واعتنقتها المرأة كعقيدة لاواعية توجّه مشاعرها بتطبيق ملزم، بدأها بولايته العنصرية ثم سحب حياتها الخاصة ثم فرض عليها المشاعر التي ترضيه وبالطريقة التي تريدها السجون، وسيزداد، فمادامت الحقيقة مغيبة ومحفوظة في صندوق الأمانات التراثي الذي يحمل سره الباتع علماؤه الذكوريون، فصلِّ على الإنسانية صلاة الغائب، هذا التشريع الذكوري الذي طوق به التراث ولا زال أعناق النساء فسجنّ أنفسهن بأنفسهن، يكذّبه القرآن الكريم، فالحكمة الوحيدة لعددية العدة؛ العدة وليست الحبسهو التأكد من خلو الرحم .. يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً يتربصن: أي ينتظرن فلا يتزوجن، بدليل وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولو وضعت بنفس يوم موت زوجها.. إذاً؛ لا علاقة للوفاء ذي الشلل النصفي! فالوفاء فعلٌ مثالي حر لايطبق بالسجون العنصرية»، «هذا الوفاء الإكراهي يتسق وأحكام عابثة بإنسانية المرأة نأخذ منه كمثال؛ دية المرأة على النصف من دية الرجل، ولنا في قيمة النفس منطلقاً قرآنياً بشرياًمن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا كقوة رادعة للإجرام، ومنه إلى الوعي بقيمة النفس للقتل الخطأ على سبيل المساواة فدية مسلمة إلى أهله المناهض لكافة العنصريات، فالقيمة الإنسانية التي تعتبر الجريمة واحدة تحسب قيمة الفقد بذات الاعتبار، وإن لف ودار أهل التراث ومؤيدوه تنصيفاً لقيمة فقد المرأة»، «ورغم أن أحاديث التنصيف ضعيفة، وبعضها مجرد آراء تعبر عن أصحابها، وتناقض القرآن، وتضطرب أمام ما صح في تكافؤ الدماء، فقد تعرض الفقيهان الأصم وابن علية لهجوم تراثي عندما صرحا بحكمهمادية المرأة مثل دية الرجل، فابْن عُلَيَّةَ وصفه الذهبي في السير بأنه جهميٌّ شيطان».. وقال عنه ابن حجر في لسان الميزان: «جهمي هالِك». وقال عنه الإمام العِجلي: «جهميٌّ خبيثٌ ملعون، والاثنان مبتدعان ضالان..يهيل التراث قذائف الشتم واللعن لمن انعتق بإنسانيته، ولو على سبيل الاستثناء من توجه لاإنساني كلي بالجملة». وبعد إيراد هذه المقاطع من الكلام السيء الذي يدل بوضوح على منتهى سوء من تفوهت به؛ أقول: 1- من المعلوم أن الواجب على كل مسلم الاستسلام والانقياد لما جاء عن الله ورسوله دون اعتراض على شيء من ذلك كما قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، وقال: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! ومن يأبى؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» رواه البخاري (7280). 2- إحداد المرأة على زوجها واجتنابها للزينة مدة العدة جاءت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كنا نُنهى أن نُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل ولا نتطيب» الحديث رواه البخاري (313) ومسلم (3742). وما أسوأ وصفها إحداد المرأة على زوجها بترك الزينة بأنه من خرافات التراث! وقولها: «فلله دره من جنون ووفاء للذكورة عظيم»! وقولها: «فيتزوج بأخرى منذ أن يدفن زوجته، بينما هي تظل تبكي وفاءها أربعة أشهر وعشراً»! وقولها: «سجنوا إنسانيتها وسجنوا حريتها وسجنوا وجهها وسجنوا مشاعرها، وسيوالون فتح المزيد من المعتقلات ما دامت امرأة تلد الخنوع بحكم العادة»! وقولها: «عادة استعبادية فرضها التراث المأفون ودعمها بأكاذيبه المسترشدة بحس الوفاء المنقوص الذي لا يطالبه بالمثل بالطبع»! وقولها: «فمادامت الحقيقة مغيبة ومحفوظة في صندوق الأمانات التراثي الذي يحمل سره الباتع علماؤه الذكوريون، فصلِّ على الإنسانية صلاة الغائب». 3- عدة الوفاة لمن كانت حاملاً وضع الحمل طالت مدته أو قصرت، وعدة غير الحامل أربعة أشهر وعشر سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وما زعمته الكاتبة من أن الحكمة من عدة الوفاة التأكد من براءة الرحم غير صحيح؛ لأن غير الحامل يدخل تحته الكبيرة التي انقطع حيضها والصغيرة التي لم تحض، وكذا التي عقد عليها ومات قبل الدخول بها؛ لحديث ابن مسعود رضي الله عنه فيما رواه الترمذي (1145) وغيره وقال «حديث حسن صحيح» عن علقمة عن ابن مسعود أنه «سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها لا وكس ولا شطط، وعليها العدة ولها الميراث، فقام معقل ابن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت، ففرح بها ابن مسعود» والحديث عند الترمذي على شرط مسلم، وجاء من طرق أخرى على شرط البخاري ومسلم، وانظر تخريجة في إرواء الغليل للشيخ الألباني رحمه الله (1939)، وأيضاً فإن الحائض تُعرف براءة رحمها بحيضة واحدة، ولهذا فإن المختلعة تُستبرأ بحيضة واحدة، والمسبية ذات الزوج تُستبرأ بحيضة واحدة، وحق الزوج في عدة الوفاة لا يُفرق فيها بين مفروح بموته ولا محزون عليه كما أن الميراث لا يُفرق فيه بين من يكون باراً ومن يكون عاقاً. 4- وأما كون دية المرأة على نصف دية الرجل فإن المعول عليه في ذلك إجماع العلماء، وهو أحد الأدلة الثلاثة التي يكون التعويل عليها وهي الكتاب والسنة والإجماع، قال ابن قدامة في المغني (12/56): «قال ابن المنذر وابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل، وحكى غيرهما عن ابن علية والأصم أنهما قالا: ديتها كدية الرجل»، ولا عبرة بمخالفة إبراهيم ابن علية والأصم للإجماع الذي حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لأنهما من المبتدعة، وقد وصف ابن حجر في لسان الميزان إبراهيم ابن علية بأنه «جهمي هالك»، وأبوه اسماعيل ابن إبراهيم المشهور بابن علية إمام محدث مشهور من رجال الكتب الستة، وأما الأصم فهو أبو بكر وهو من المعتزلة، بل قال عنه الذهبي في السير (9/42): «شيخ المعتزلة»، ويأتي ذكرهما في كتب الفقه في مسائل شذَّا فيها في الغالب عن العلماء، ومن أوضح الأمثلة لذلك ما ذكره ابن رشد في بداية المجتهد (2/220) في أول كتاب الإجارة قال: «إن الإجارة جائزة عند جميع فقهاء الأمصار والصدر الأول، وحكي عن الأصم وابن عليه منعها»، والإجارة دل على ثبوتها الكتاب والسنة والإجماع، وشذوذ ابن علية والأصم فيها لا عبرة به؛ فإنه لا يستغني عن الإجارة أحد. والحاصل أنه حصل في مقال هذه الكاتبة الاستهزاء ببعض الأحكام الشرعية والاعتراض على شرع الله والتهكم بما ثبت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن يوقف هذه الكاتبة وأمثالها عن الاعتداء على شرع الله ودينه بإذن الله إلا وقفة حزم وعزم ممن ليس فوق يده إلا يد الله، وهو خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله ووفقه لكل ما فيه نصرة دين الله، وذلك بإحالتها والمسؤولين عن نشر عدوانها في الصحيفة إلى القضاء ليعاقب كل منهم بما يستحقه شرعاً، وكذا إحالة كل من يحصل منه اعتداء على الشرع إلى القضاء، وقد قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». وأسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ويهدي ضالهم وأن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها، وأن يوفق ولاة أمرها لكل ما تحمد عاقبته في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مشاركة :