الشيخ إبراهيم عبد المحسن آل عبد القادر رحمه الله 1343-1433هـ ما أعظم دين الإسلام ، وأجلَّ مقاصده وتشريعاته،وأنبلَ غاياته ومراميه لصلاح الفرد، وسلامة المجتمع، وسعادةالنَّاس،وتعضيد الحياة الإجتماعية فيما بينهم سعياً لرقي علاقاتهم وتعاملاتهم،ودوام مسرَّاتهم وسعادتهم،فقد أقامالإسلام لتمتين العلاقات والأواصر الإجتماعية حقوقاً وواجبات على الفرد والأسرة ، وعلى البيوت والجوار وسآتي هناعلى حقِّ الجارلما له من ألَقٍ وأهميَّة ، هذا الحقُّ الجليل الَّذي دعا إليه الإسلام وحثَّ عليه لما له من عظيم أثرٍ وفائدة فيرقيِّ العلاقات بين النَّاس ، وسلامة الحياة الاجتماعية ،وتأمين البيوتات فيما بينها بلحمة الصِّلة والود، وحُسنالجِوار،وطيب المعشر،وقد حضَّ الإسلام على ذلك وأمر بالإحسان إلى الجار ، والتَّلطُّف به ، وحسن التَّعامل معه،ومبادأتهبالسَّلام ، والبشاشة بوجهه،وتوقيره واحترامه،ومساعدته وإكرامه، وأن يحفظ حضوره وغيابه،ومن شدَّة ماأوصى بهجبريل عليه السَّلام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بالجار ظنَّ أنه سيورِّثه فقد حدَّثت أمُّ المؤمنين السيدة عائشة وابن عمررضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مازال جبريل يوصيني بالجار حتَّى ظننت أنَّه سيورِّثُّه} متفقٌعليه. وليس المقصود هنا الجارُ المسلم ..أبداًبل الجار على إطلاقه أيَّاً كان مسلماً كان أم كافراً ،قريباً كان أم بعيداً ، ذميَّاً كان أمعلى أيَّةِ مِلَّة، فلغير المسلم الجار حقُ واجبٌ واحد هو حقُّ الجوار، وكم من قصصٍ تُروى بإسلام من جاوره المسلم من أهلالكتاب وغيرهم بحسن أخلاقه وجواره ، وللمسلم الجار حقَّان حقُّ الأخوة في الإسلام وحقُّ الجوار، وأما إن كان الجارُ منذوي القُربى فحقوقه ثلاثة الإسلام والرحم والجوار . وقد نبَّه الإسلام إلى فداحة ذنب من يؤذي جاره ويظلمه فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنهأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال:{ والله لايؤمن!؟والله لايؤمن!؟والله لايؤمن!؟قيل من يارسول الله ؟؟ قال: من لايأمنجارُهُ بوائقَه }رواه مسلم، بوائقه أي غشمه وظلمه فانظروا وتأمَّلوا مكانة وأهمِّيَّة حقِّ الجار في الإسلام وما لها من آثارٍ جليلة وفوائد عظيمة في توثيق العلاقاتالإجتماعية وزيادة التواصل الإيجابي بين الناس ،وهذه كانت شيمةٌ من شيم العرب وأخلاقهم في الجاهلية وجاءالإسلام ليتمم مكارم الأخلاق فهذا عنترة بن شداد يقول في ذلك: وأغضُّ طرفي إنْ بَدَتْ لي جارتي= حتَّى يواري جارتي مثواها وماأجمل شعر جسَّاسِ بن مروة في حق الجاروهو أحد شجعان وأمراء العرب في الجاهلية وكان يًلقَّب بالحامي الجار،المانع الذِّمار يقول: إنَّما جـاري لَعَمـري= فاعْلموا أدنى عيالي وأرى للجــــارِ حقَّـاً = كيميني من شِمالي وأرى ناقة جاري = فاعلموا مثل جِـمالي إنَّ للجــــار علينا = دَفْعُ ضَيْمٍ بالعَـــوَالي فأَقِلِّي الَّلَوْمَ مَهْلاً=دونَ عِرضِ الجارِمالي سأُؤَدِّي حقَّ جاري= ويَـدي رَهْـنُ فِعـالي أو أرى الموتَ فيبقى= لَوْمُهُ عِندَ رِجالي ومادفعني للكتابة عن حقِّ الجار أنَّهُ كان لي جارٌ عزيز من أفاضل النَّاس وكرامهم ،وكان بيني وبينه محبَةٌ وتقديروتواصُلٌ وود، وأدبٌ وشعر،وله حقٌ كبيرٌ عليَّ ،وواجبٌ مستحقٌ عليَّ دفعه ،وكان بيني وبين بيته في حي الشروفيةدقيقتان مشياً على الأقدام في طريقي إلى مسجد آل العبد القادر الذي يُصلِّي فيه إماماً أخونا الحبيب الشيخ عبد الله بنعلي الخطيب حفظه الله ورعاه. ذلك الحيُّ البهيُّ الذي سكنت فيه ربع قرنٍ من الزَّمان ،قضيتُ فيه لُبانة عمري ،وأمضيت فيه زهرة شبابي أجل ربع قرنٍمن الزَّمان قضيتها فيه وماأطيب ما فيه ومن فيه، وماأحلى ذكرياته وجواره ، وأسنى مساجده وروَّاده ،وأكرم أُسَرِهومجالسه ،أجل هو ذاك ومازال الحنين إليه من قبلي وقبل أسرتي لما عشناه فيه من سرورٍ وسعادة وحسن صلةٍوجوار،وكأننا بين أهلنا وعشيرتنا وقراباتنا وخِلَّاننا . هذا الجار الكريم الفاضل الذي كلُّ ماسكبت كان من أجله هو الشيخ الأديب، والخطيب الأريب، الشيخ إبراهيم عبد المحسنالعبد القادر رحمه الله الذي ولد في حي السَّياسب في المبرزعام 1343هـ من أسرةٍ عريقةٍ تزخر بالعلماء والأدباء والشعراءترجع أصولها إلى الأنصاروقبيلة الخزرج تحديداً وقد نشأ وترعرع في بيت والده العالم الجليل الشيخ عبد المحسن بنعبد الله العبد القادروتتلمذ وتأدَّب على يده وعلى يد مجموعةٍ من العلماء الأفاضل والده ابتداءً وعمُّه الشيخ الجليل محمدبن عبد الله العبد القادرقاضي المبرز حينها و إمام وخطيب جامع فيصل بن تركي والشيخ الجليل عبد الله بن عبد الرحمنبن بندر، والشيخ الجليل علي بن عبد الله الخطيب قاضي المبرز رحمهم الله جميعاً اللهم آمين. عُرف عنه جمال خطِّه وحبُّه لخطِّ الرُّقع وهذا مارشَّحه في سنٍ مبكرة لكتابة وخط الحجج الشرعية والصُّكوك بتكليفٍ منعمِّه ،كما كان حريصاً على اقتناء الكتب وقراءتها وكان من أكثر رواد مكتبة الشيخ عبد الله الملا في الستينيات من القرنالماضي الهجري ، حيث كان كثير الولع بالفقه، والقراءة .حتى أضحى بحراً زاخراً بالأدب والشعر. كان رحمه الله كريم السَّجايا، هادئ الطَّبع ، صوته ذو شجون ، سمته الوَقار والهيبة، وومعلمه السَّكينة والهدوء، يُصغيلمحدِّثه بكل اهتمام ،حفيٌ بزوَّاره بدأ الشيخ عمله الرسمي كاتباً للضبط في محكمة المبرز سنة 1364هـ وكان له من العمر إحدى وعشرين سنة، و ظل كاتباًللضبط حتى عين كاتبا للعدل في محكمة المبرز بعد أن طلب منه ذلك الشيخ صالح بن غصون رئيس المحاكم الشرعيةبالأحساء آنذاك، و ذلك في سنة 1388هـ تقريباً،، وقدتنقل في عدد من المحاكم داخل الأحساء و خارجها، و كلف بالعملفي مدينة القطيف كاتباً للعدل قبل عودته للأحساء وتقاعده من العمل الرسمي بعد قرابة 43 سنة من الخدمة و ذلك سنة1407هـ. كما كان الشيخ يزاول الإمامة والخطابة في جامع الإمام فيصل بن تركي بالمبرز مع عمله وهو الجامع الأكبرفيها، حيث عينه الشيخ محمد بن عبدالله قاضي المبرز لتولي هذه المهمة ابتداء من عام 1384هـ، وظل يزاول مهمة الإمامةوالخطابة في هذا الجامع دون انقطاع لمدة 43 سنة، حتى بلغ من العمر 84 عاما. وقد عرف عن الشيخ في خطبه التزامهبوقت الدخول للجامع حتى غدا توقيتاً ثابتاً للمصلين كما أن خطبه اتسمت بالإختصار والتقيد بشروط الخطبة الشرعيةوتناولها مواضيع تهم عموم المسلمين وتناسب ظروف ومناسبات زمنها. عرف عن الشيخ كما سبق ولعه بالقراءة وشغفه بالشعر و حبه النقد الأدبي ، وإطلاعه في شتى المعارف وكان تركيزهعلى المختصرات في العلم الديني ودراسته بعض المطولات على يد مشائخه إلا أن حبه للأدب ظهر جلياً في الكم الكبيرمن الكتب الأدبية التي اقتناها وقرأها بل وعلق عليها بكثير من الحواشي حيث أنه لا يترك خطأً أو ملاحظةً في كتابيقرأه إلا وهمش عليه بخط يده بما يراه صواباً للمعلومة أو اضافة مهمة استدركها على الكاتب. وقد كان للشيخ اهتمام بالشعر الفصيح والنبطي، وله بعض القصائد الاجتماعية والمساجلات مع بعض شعراء عصره،كما عُرف عنه غزارة حفظه لقصائد فحول الشعراء من القديم والجديد، وخصوصاً قصائد شعراء الأسرة ومنهم الشيخعبدالله بن علي رحمه الله والشيخ محمد بن عبدالله رحمه الله. وقد كان مجلسه على الدوام حافلاً يموج فيه الشعر والطرائف والأدب والظرائف لتجد فيه المتعة وتستفيد من الحواراتالثقافيةالتي تجري فيه ، وكنت من روَّاد مجلسه بعد العشاء يوم الأربعاء حيث كان يحضره آل العبدالقادر ،وجيرة الحي،والمهتمون بالشعر والأدب . وقد دفعه ولعه الأدبي وقدراته الثقافية للمشاركة في تحرير أول صحيفة أنشئت في الأحساءفي السبعينات الهجرية من القرن الماضي عن طريق رائد الصحافة الأديب عبدالله الشباط وهي صحيفة الخليجالعربي،وكان بينهما علاقةٌ متميزة وتقديرٌ متبادل وكان له عمود صحفي ثابت فيها يتناول بعض القضايا الأدبيةوالإجتماعية كما كان له مقالات أخرى في مجلة الإشعاع الأدبية. وقد كان على علاقةٍ وطيدة بالدكتور علي العبد القادر رحمه الله والكاتب الصحفي والذي كان يزوره ويرتاد مجلسه بينالفينة والفينة، وقد حدَّث الدكتور علي أنَّ الشيخ كان يحاوره فيما كتب في عموده في جريدة اليوم وقد كتب عنه الدكتورعلي بعد رحيله مقالاً في صحيفة اليوم تحت عنوان الشيخ إبراهيم العبد القادرالورع التَّقيِّ رثاه فيه وذكر مناقبهوصفاته جمعهما الله. كما كان أيضاً على علاقةٍ وصداقةٍ وصلةٍ وثيقة بسفير الأدباء وأديب السُّفراء الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك وقدرتَّبت بينهما موعداً للقاء زرته فيه في صبيحة أحد الأيام مع الشيخ الجليل الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك ، وكمكان اللقاء حميمياً وكم كان سرورهما عظيماً وقد استمتعنا فيه ببعض قطوف من الشعر والأدب ،وتناولنا من ثمارالحكمة والمعرفة مالذَّ وطاب ، فلله درَّهما رحمهما الله وقد قال عنه فضيلة الشيخ أحمد بن إبراهيم السيد هاشم رحمه الله من الشخصيات النادرة ،تميز بكريم خلقه ،وجم تواضعه،وجليل وفائه، وهدوء طبعه،وروحانية سكينته،وكرمه لزوارهوضيوفه، تعلوه الهيبة والوقار ،لايخلو مجلسه من فائدة علمية أوطرفة أدبية، تستمتع مجالسه بلطائف محفوظاتهالأدبية ومواقفه التاريخية. وكان الدكتور عبد الله العبد القادر مداوماً على زيارته مع أبيه الفاضل رحمه الله منذ صغره، ويقول إنَّه كان يُلاطفه فيطفولته ،ويأنس بحديثه، وعندما أصبح طبيباً أهداه آخر نسخة مطبوعة من كتاب تاريخ الأحساء القديم والجديد وكتببخط يده الإهداء ولازال محتفظاً بها.وقد كان للشيخ مكانةٌ كبيرةٌ وقدرٌ كبير بين أبناء جيله رحمهم الله وقد كتب عنه الأخ الكريم الدكتور عبد العزيز الضامر حفظه الله حيث قال: آخر لقاء جمعني بالشيخ إبراهيم بن عبد المحسن آل عبد القادر رحمه الله في بيته بحي الشروفية عصر الاثنين 7-11-1422هـ فسألته: لماذالا تكتب عن محلة السياسب ومافيها من علماء وشعراء وغيرهما فأجاب: إنّ الليالي والأيام لوسُئِلت=عن عيب أنفسها لم تكتب الخبر على أن أكثر ما ظهر للشيخ من مساهمات أدبية هو صدور كتابه المعنون “المختار من الأمثال الشعبية فيالأحساء” والذي حوى أكثر من ألفي مَثَل شعبي مع شرحها ومناسبة قولها ومرادفاتها من أمثال العرب وكذلك تعليقالشيخ الفريد عليها. وقد ألزم الشيخ نفسه أثناء تأليف هذا الكتاب أن لا يقتني أو يطلع على أي كتاب مماثل حتى لايقتبس منها شيء، إنما كان اعتماده على ما حوته ذاكرته وما اجتهد في جمعه من سائرالمحيطين به خصوصاً أهل البلدالقديمة والقرى. وقد كان الشيخ كريم النَّفس ،زكيَّ الجنايا ،سامي العلاقات ،محباً معطاءً بحسِّه ونبضه ، بخلقه وأدبه ، بمجلسه ومعشره،وعادة إهداء الكتب من سجاياه وكذلك مايسكبه يراعه من شعر حيث يخطه بيراعته ليهديه لمن يحبه ، وهو كما أهدىحبيبنا الدكتور عبد الله العبد القادرحفظه الله من قبل وآخرين كتباً فقد أهداهُ أيضاً وأهداني ماسكبه يراعه شعراً بخطيده الرَّائع في حي الشروفية الذي كنت أسكن فيه وكنت ولازلت أحبه وقدأحبه وعشقه الشيخ وكذلك جميع من سكن فيهلينهي أبياته بفكاهة لطيفة ختم بها آخر بيتٍ في مقطوعته الشعرية وإليكموها شروفيةٌ لأوفت على كلِّ غايةٍ= وأترابها اللائي شمال المبرَّز ضياءٌ على أترابها وكأنَّها= شموسٌ تشعُّ في زجاجٍ مطرَّز تزيدُ سموَّاً وافتخاراً بمعشرٍ= همُ رفعوها للمكان المُعَزَّزِ فياطالبَ الحسناء لاتُغلِ مهرها= عليك فأصدقْها بما اسطعتَ وانْشزِ هواها عليلٌ غايةٌ في نقائه= فلاجوَّ تاروتٍ ولاطقس هرمز تُؤرِّخها عينٌ وثاءٌ وإنَّها= لجيٌ جميلٌ كان في خير مركز إذا ماسكنت الحيَّ يوماً فلا تَقُلْ= لإخوانك الزُّوار عودوا I”m busy أي أنا مشغول بالانكليزية رحم الله الشيخ الجليل ،والأديب الجميل ،والشاعر الأريب الشيخ إبراهيم عبد المحسن العبد القادر رحمه الله ،وغفر له،وجعلنا وإياه من أهل السعادة والرضى في الدارين، وجمعنا وإياه في مستقر رحمته اللهم آمين والحمد لله ربِّ العالمين.
مشاركة :