شاعر يأكل زهرة القصيدة

  • 1/20/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز أكثر ما يميز الشعراء في الإمارات هو أنهم يقرؤون أكثر مما يكتبون، قراءاتهم قائمة على الاختيار وهي قراءات مبدعة أو إبداعية، كما أن هذه القراءات تخضع للسجال والنقد والتأمل.شعراء يتشبعون بما يقرؤون، وفي لحظة الكتابة يستخدمون النسيان أكثر مما يستخدمون الذاكرة.. هذا أيضاً درس من البحر والرمل.عبد العزيز جاسم، وعادل خزام، وثاني السويدي، ونجوم الغانم، وسعد جمعة، والهنوف محمد، وصالحة غابش، وعارف الخاجة، وحمدة خميس، وغيرهم وغيرهم.بامتلاء وإشباع أستعيدهم، بينهم وبين الماء والرمل كتبت «مجرة القتلى» بقرية في ضواحي جلفار رأس الخيمة، في الليل، ‏وكنت أسكن في بيت قريب من البحر أسمع صوت الماء فاتخذت اسماً أولياً للقصيدة؛ إذ إنه ليس أجمل من هياج البحر، ثم قلت: «لن أنتهي من هياج الماء وسأصاب بمس من مسوس البحر.. وهكذا لجأت إلى عائلة الشعراء، وأمضيت السنة تلو السنة وأنا أتقدم في جسد الماء وجسد الرمل».كان يُعينني عبد العزيز جاسم على هذا التقدم، وكان يهاتفني من جلفار أو من أبوظبي، وبعد ساعتين نكون قد التقينا على طاولة، والطاولات مع هؤلاء الأصدقاء تتحول إلى مملكة شعرية.في قصيدة عبد العزيز جاسم قسوة وفتك ‏وجنون أزرق يشبه جنون البحر، لكن عبد العزيز قادر دائماً على تهدئة القشعريرة الساكنة. يستخدم سحراً خاصاً؛ لذلك سحره من مادة الضحك، لكنه ليس ذلك الضحك المؤدي إلى الضعف بحسب رأي إدواردو جاليانو الذي يكتب عن ذاكرة النار ويعيد صياغة الأسطورة من جديد.في مجموعة «لا لزوم لي» ‏للشاعر عبد العزيز جاسم، يبدو ضدياً وضارباً بكلتا يديه، يفتح بوابات الجحيم وهياكل زهرة القصيدة.. بالفعل كأني بهذا الشاعر الذي يشبه قطعة موسيقى لا يأكل إلا الأزهار، في فمه دائماً رائحة توابل حارة وفي باطن يديه سخونة نادرة، كأنما هو نحات أو خزاف.لا يوجد تشكيل طاغٍ في شعر عبد العزيز جاسم، كما لا توجد موسيقى طاغية؛ هو أقرب إلى رجل نسي نفسه في الماء من دون أن يصيبه البلل.. وعندما يقول: «لا لزوم لي» فهو يعرف ما يقول مثل حوذي يُدرك تماماً أن حصانه يطأ الحصى بلطف.‏في الإمارات يستفيد الشاعر من التشكيلي، وكلاهما يستفيد من المسرحي.. ثمة كتلة واحدة في مناخ ثقافي واحد. من التشكيليين يبرز بقوة حسن شريف بأعماله المفارقة الطليعية المتقدمة في الشعر والفلسفة تحت عريشة من الضوء، وكان أقرب إلى معشر الشعراء منه إلى معشر التشكيليين؛ ذلك أن غربته ‏تشبه غربة الشعراء؛ معشره في لغة فنية واحدة وإن اختلفت الأدوات. هناك فنانون تشكيليون كثر يمتلكون مناخات خصبة في أعمالهم وفي تجاربهم، وهؤلاء لهم لقياهم مع خصوبة الشعر، ولكن ذلك الشعر الذي يدور في الفضاء ذاته ‏وفي الجوهر ذاته. yabolouz@gmail.com

مشاركة :