لا يمكن للمتابع للأزمة السورية إلا أن يشعر بالأسف والاستغراب لما آلت إليه حال المعارضة، أو المعارضات السورية من تفرق وشرذمة على رغم دخول الأزمة سنتها الثالثة وسقوط عشرات آلاف الضحايا بين قتيل وجريح وتهجير ملايين السوريين من بيوتهم واعتقال واختطاف عشرات الآلاف من جميع الأطياف السياسية في البلد، ناهيك عن الدمار الهائل الذي شهدته بعض المناطق السورية، خاصة في وسط وشمال وسورية. ويقول تقرير نشرته “مجموعة الأزمات الدولية” إن إنهاء الحرب بشكل مستدام يتطلب قيام معارضة تمثيلية تحظى بالمصداقية؛ وعلى رغم عيوبه ونواقصه، فإن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية يمكن أن يتجاوزا هذا الاختبار إذا استطاعا تعزيز حضورهما على الأرض بشكل كبير؛ كما ينبغي على داعمي المعارضة تنسيق مساعداتهم؛ وعلى الجميع أن يطوروا استراتيجية مشتركة للتعامل مع الظاهرة الجهادية المتزايدة في البلد. إن المجموعات الناشطة على الأرض عندما منحت خاتم الشرعية للهيئات التي نشأت في المنفى ـ للمجلس الوطني ومن ثم للائتلاف ـ فإنها كانت تنظر إلى المعارضة السياسية على أنها التعبير الدبلوماسي عن الانتفاضة، أي أنها هيئة وظيفتها الأساسية حشد الدعم الدولي. وكان هذا الفهم يستند إلى رهان ضمني مفاده أنه مع تصاعد حدة العنف الذي يمارسه النظام، فإن الغرب سيتصرف كما في السابقة الليبية وسيسهم، من خلال العمل العسكري، في إسقاط الرئيس بشار الأسد. لكن المشكلة كانت في أن منظورهم كان يختلف مع منظور الحكومات الغربية المعنية، خصوصاً واشنطن. فبالنسبة لإدارة الرئيس أوباما، فإن مثل ذلك التدخل العسكري المباشر لم يكن مطروحاً بشكل فعلي. بدلاً من ذلك، فإنها كانت تعتقد أن الأولوية تتمثل في أن تتوحد المعارضة وأن تقدم رؤية عريضة وجذابة لمستقبل سورية بعد الأسد. قد يكون العامل الذي ألحق أكبر الضرر بالمعارضة هو غياب التنسيق بين داعميها الإقليميين، والذي تتجلى تبعاته على المستويين السياسي والعسكري. سياسياً، غذَّت المنافسة بين داعميها الأكثر أهمية الديناميكيات الانقسامية داخل الائتلاف. وقد ثبت أن ذلك أدى إلى حرف الائتلاف عن مهمته الرئيسية بشكل كبير؛ وعند بعض النقاط المفصلية أدى إلى وقف نشاط الائتلاف بشكل كامل. التوصيات قدم تقرير مجموعة الأزمات عدة توصيات تشمل: • على الدول الخارجية الداعمة للمعارضة أن تُحسن التنسيق فيما بينها بشكل جذري، خصوصاً من الناحية العسكرية؛ • ينبغي أن يكون ذلك مصحوباً بجهود تحد من القنوات البديلة للدعم المادي واللوجستي؛ • يجب منع قيام الأفراد بتمويل هذه المجموعات، وعلى تركيا أن تفعل المزيد لوقف تدفق المقاتلين والممولين الأجانب عبر حدودها الجنوبية؛ • من أجل تعزيز حضوره على الأرض، على الائتلاف أن يسعى للعب دور مباشر في تقديم الخدمات الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة، بما في ذلك الغذاء، والتعليم وفرض تطبيق القانون. وهذا يتطلب التعاون بين مجموعات المسلحين الأساسية وغير الجهادية، وهو التعاون الذي ينبغي على الدول الداعمة الرئيسية السعي لضمان تحققه؛ • على الائتلاف وداعميه تطوير استراتيجية فعالة للتعامل مع التهديد المُلح الذي تشكله المجموعات الجهادية؛ • على رغم تحفظات الائتلاف على عملية "جنيف 2"، ينبغي عليه أن يضع استراتيجية واقعية حيال ما يظل أفضل أمل في إنهاء الحرب.
مشاركة :