حركة الشباب الصومالية توثق علاقاتها بإيران على حساب تركيا

  • 1/20/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تتجاهل أنقرة المضي في مسار علاقاتها بالجماعات والميليشيات السنية على أساس المصالح المتبادلة، وتمضي وفقا للمصلحة التركية المباشرة، وهو ما يفسر توظيفها للكثير من المرتزقة، ونقلهم من ساحة إلى أخرى، ما يبين أسباب الاختلاف في طبيعة العلاقة بين تركيا ونفس التنظيم من مكان إلى آخر. راهنت تركيا في مرحلة ما على الجماعات السنية المسلحة مع استعدادها للتحول في أي وقت حسب متغيرات الأوضاع عبر التفاهم مع قوى محاربة لتلك الجماعات لتحقيق مصالح مشتركة. وهذا واضح في الحالة السورية، في حين تتخذ موقفا مغايرا في ساحة أخرى، كما هو الحال في الصومال، حيث تتناقض تصوراتها مع مصالح تنظيم القاعدة، فرع الصومال، وهو التنظيم ذاته الذي توظف عناصره كمرتزقة بين سوريا وليبيا. تتميز إيران في المقابل بعلاقات أكثر توازنا مع الجماعات السنية المسلحة، الأمر الذي يمنحها حيوية في المناورة والتعاطي مع الضغوط الدولية المتصاعدة. يثبت نموذج العلاقة التي تربط حركة شباب المجاهدين الصومالية بإيران أن الأخيرة حريصة على ألا تهبط علاقتها بالتنظيمات السنية المسلحة عموما إلى مستوى التوظيف والابتزاز، كشأن الممارسات التركية، وتبقى داخل إطار محكم من المصالح الدقيقة، ويمكنها التقدير النفعي المتبادل مع تلك الجماعات من تحريك كل جبهة بالتزامن مع الأزمات والضغوط التي تواجهها. للردع وليس للحرب نفذت حركة شباب المجاهدين الصومالية الموالية للقاعدة هجوما نوعيا ضد قاعدة “ماندا باي” العسكرية في كينيا التي تستخدمها القوات الأميركية، عقب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. سارعت واشنطن إلى نفي العلاقة بين اغتيال سليماني وهجوم حركة الشباب، والذي أسفر عن تدمير عدد من الطائرات والمركبات، وفضلت التعامل مع الرد الإيراني المباشر المتعلق بضرب قاعدتيها في عين الأسد وأربيل بالعراق ليظل الهجوم على قاعدة كينيا مدرجا ضمن استراتيجية الردع دون أن يسهم في تحريك الصراع إلى مستوى الحرب. وجه قائد حركة الشباب، أحمد ديري أبوعبيدة، تهديدا قويا لتركيا ولغيرها من القوى الداعمة للحكومة الصومالية التي تعتبرها الحركة قوى طامعة في ثروات البلاد، متهما تركيا في أول تسجيل صوتي له على إذاعة “الأندلس” التابعة للحركة حمل عنوان “الشريعة أو الشهادة” بنهب ثروات بلاده وغزوها اقتصاديا واصفا إياها بعدو الأمة. تكمن أهمية الرسالة في أنها الأولى لزعيم الشباب منذ توليه قيادة الحركة في سبتمبر من العام 2014 خلفا لأحمد عبدي غودني (مختار أبوالزبير)، وأتى توقيتها دالا على أن إيقاع الحركة بمقاولين وعسكريين أتراك ضمن هجومها الدامي الذي نفذته نهاية الشهر الماضي كان مقصودا، معتبرة الوجود التركي في الصومال مستقبلا هدفا لعملياتها ضمن أهدافها الأخرى. وأكد ذلك تكرار هجمات الحركة على المصالح والحضور التركي في الصومال، حيث أصيب السبت الماضي عدد من العاملين في شركة بناء تركية إثر تفجير ضخم باستخدام سيارة مفخخة بالعاصمة مقديشو التي تضم أكبر سفارة وقاعدة عسكرية لتركيا خارج حدودها. سواء تم تنفيذ الهجوم على القاعدة الكينية بالتنسيق التام بين النظام الإيراني وقيادة حركة الشباب الصومالية أو أن الحركة نفذته منفردة ردا على تكثيف الهجمات الأميركية ضدها، فالعلاقة بينهما حاضرة في دوافع الهجوم بالنظر لتوقيته وندرة وقوعه، فلم يسبق أن استهدفت الحركة منشأة تضم قوات أميركية خارج الصومال. يبرز هذا التطور واقعا يقول إن الحركة الصومالية المتطرفة باتت حليفا قويا للنظام الإيراني، ومن كان ينسق العلاقة بين الطرفين بناء على تبادل المنفعة هو فيلق القدس التابع للحرس الثوري، حيث تستفيد الحركة من سلاح إيران وتحقق الأخيرة مزايا استراتيجية بحكم موقع الصومال الحيوي. هيمنة إقليمية ومنافسة ضمنية اختارت إيران دعم حركة الشباب برعاية وتمويل قطريين، بينما يتبنى النظام التركي استراتيجية بناء النفوذ عبر الهيمنة على الفضاء الصومالي الهش من باب المساعدات وإدارة العديد من الأنشطة في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية. لن تستطيع إيران الهيمنة على بلد غالبيته من السنة مثل الصومال من خلال تبني الخطة التركية، ولذلك تحرص عبر تحالفها مع حركة الشباب على تحقيق أهداف مشتركة، كمناهضة النفوذ الغربي والأميركي ومنافسة خصوم إقليميين وإثبات وجودها في تلك المنطقة بالغة الأهمية بنشر الإرهاب والفوضى. تتعامل إيران مع حركة الشباب، وهي ذراع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا، بمنهجية تمنحها الأفضلية لدى التنظيمات المسلحة السنية في القارة، حيث تبحث تلك التنظيمات صياغة علاقة مختلفة خلال تجربتها في الساحة الأفريقية، لا تتكرر معها إخفاقاتها وانكساراتها في المنطقة العربية. وصل تنظيم القاعدة بشراكته مع النظام التركي في الساحة السورية إلى هزائم وخسائر سببها الرئيسي توخي الأتراك تحقيق مصالحهم عبر تفاهمات ومناورات مع أطراف الصراع. ويفصل التنظيم بين الوضع المحلي السوري وحسابات التنظيم الأم، وعلى الرغم من تناقض المصالح والمواقف بين إيران والقاعدة في سوريا، إلا أن التنظيم ينظر بتقدير إلى تعامل القادة الإيرانيين معه كشريك وحليف لتحقيق منافع متبادلة لا كمجرد أداة للابتزاز والضغط والمساومة. منح تشبيك العلاقات بجماعات مسلحة سنية وشيعية إيران الأمل في التقدم داخل المنطقة الحيوية عبر ذراعين عسكريتين إحداهما سنية وهي حركة شباب المجاهدين الصومالية. والأخرى شيعية وهي جماعة أنصار الله الحوثية باليمن، وهو ما لا تتمتع به قوة أخرى على المسرح الإقليمي. وتطمح إيران من خلال التحالفات المزدوجة مع تنظيمات مسلحة سنية وشيعية في مد منطقة نفوذ تبدأ من الصحراء الكبرى حتى شواطئ الصومال مرورا بخليج عدن وباب المندب، بما يمنحها استخدام بلد مثل الصومال كنقطة عبور لمبيعات الأسلحة الإيرانية لمختلف الجماعات المتطرفة في أفريقيا. ترى حركة الشباب أن تمتين العلاقة مع إيران من العوامل التي ترجح تفوقها في مواجهة محاولات تنظيم داعش التسلل إلى تلك المنطقة وتنشيط خلاياه، والذي دلت إصداراته الأخيرة على اهتمام خاص ببناء نفوذ جديد في أفريقيا. تبين لقيادة حركة الشباب أن كبح طموح داعش في أفريقيا وإخراجه من الصومال لن تحققهما تفاهمات أو شراكة مع تركيا، فيهمها توظيف طيف السلفية الجهادية داخل بؤر صراع محددة أخفقت أنقرة في فرض الهيمنة عليها عن طريق عقد الصفقات. وترسخ أنقرة لواقع استعماري مقنع عبر التحكم المالي والإداري والفني في مختلف المشاريع الحيوية، وتكثيف الحضور العسكري من خلال إنشاء العديد من القواعد العسكرية، وأبرزها القاعدة العسكرية التركية جنوب مقديشو. وتكاد تكون الأطماع التي يؤملها الإيرانيون، هي ذاتها تقريبا أطماع تركيا الساعية لتعميق اختراق مؤسسات الدولة الضعيفة، بعدما خطت خطوات كبيرة على مدى أكثر من عشر سنوات لابتلاع الصومال وتريد إدخال قوة احتلال مباشرة تكون بديلة عن القوات الدولية التابعة للاتحاد الأفريقي المقرر انسحابها في العام المقبل. تحايلت تركيا لفرض نفسها كبديل، ولم تعمل من منطلق الشراكة عندما حرصت على تجاهل اللجان الأمنية وعدم التنسيق مع القوى الدولية، فارضة حضورها الأمني والعسكري والاقتصادي بشكل مستقل. ويقع الصومال بين فكي كماشة. فالتدخل التركي والإيراني لا يمنحه فرصة لبناء مؤسسات وطنية مستقلة ولن يمكنه من امتلاك استراتيجية فعالة لمحاربة الإرهاب. ويعرقل التدخل الإقليمي غير العربي جهود أطراف مختلفة تحاول بناء الدولة وتثبيت أركانها واستعادة الاستقرار والأمن، وهو ما أصاب بعض القوى الدولية بالشعور بعدم جدوى استمرار الدعم.

مشاركة :