ونستمرُّ في سِّلسلة “النحو..غرائب وطرائف”؛ باستعراض ظواهر غريبة في النَّحو، وظواهر طريفة، تمتع العقل: 1. المستثنى مرفوعًا ومنصوبًا ومجرورًا في نفس الجملة: [ما جاء من طالبٍ إلا أحمد ]، فبما أنَّ الجملة في الحالة الثَّانية من الاستثناء (الأسلوب في الجملة تامٌّ منفيٌّ، وحرف الجرِّ قبل المستثنى منه زائد)، فإنَّه يجوز نصب المستثنى على الاستثناء، ويجوز إعرابه بدلًا مجرورًا؛ باعتبار المستثنى منه في الجملة مجرورًا لفظًا، كما يجوز إعرابه بدلًا مرفوعًا؛ باعتبار المستثنى منه مرفوعًا محلًا (فاعل)؛ وعلى ذلك يجوز أن تقول: أ – ما جاء من طلابٍ إلا أحمدَ [مستثنى منصوب]. ب – ما جاء من طلابٍ إلا أحمدُ [بدل مرفوع]. ج – ما جاء من طلابٍ إلا أحمدَ [بدل مجرور، وعلامة الجرِّ الفتحة؛ لأنَّه ممنوعٌ من الصَّرف]. 2. الفعل بعد (لا) النَّافية، قد يكون مرفوعًا: المجتهد لا [يهملُ]، وقد يكون منصوبًا: يجب ألا [تهملَ]، وقد يكون مجزومًا: إنْ لا [تهملْ] تنجحْ. 3. المقصود بـ (المفرد) في النَّحو: أ. ما ليس مثنَّى، ولا جمعًا، كما في قولنا: المفرد يُرفَع بالضَّمَّة. ب. ما ليس جملةً، ولا شبه جملة، كما في قولنا: الخبر في جملة (التِّلميذان مجتهدان) نوعه: مفرد. ج. ما ليس مضافًا، ولا شبيهًا بالمضاف، كما في قولنا: اسم (لا) النَّافية للجنس في جملة (لا مهملين ناجحون) نوعه: مفرد. 4. (نا) الضَّمير الوحيد الذي يأتي فاعلًا أو نائب فاعلٍ، أو مفعولًا به: على الرغم من عدم معرفة كثيرين عن الضَّمير (نا) الفاعلين، إلا أنَّ حالات مجيئه مفعولًا به ([نا] المفعولَين) أضعاف حالات مجيئه فاعلًا. • يُعرَب مفعولًا به في الحالات التَّالية: أ – إذا اتَّصل بالفعل المضارع: أصدقاؤنا يساعدوننا. ب – إذا اتَّصل بفعل الأمر: اللهمَ توفَّنا مسلمين. ج – إذا اتَّصل بفعلٍ ماضٍ، وكان ما قبله مفتوحًا: زارَنا أقاربنا. • يُعرَب فاعلًا، إذا اتَّصل بفعلٍ ماضٍ تامٍّ، وكان ما قبله ساكنًا: نصرْنا الله. 5. لم (تَسَعْ) البنت الفرحة بنجاحها: هذا الفعل من أغرب الأفعال في اللُّغة العربيَّة، ولمَن لا يعلم، فإنَّ أصله: وسع، إلا أنَّ أصله ليس كونه من أكثر الأفعال غرابةً، وإنَّما السَّبب أنَّ (البنت) مفعول به مقدَّم، و (الفرحة) فاعل مؤخَّر، وهذا ما يحيِّرني. إنَّني أدرك تمامًا هذه الحقيقة، وأفهم أنَّ الفاعل هنا مؤخَّر، والمفعول به مقدَّم، ولكنَّ السِّرَّ في حيرتي، أنَّني لا أستطيع توصيل هذه المعلومة لتلاميذي؛ فكيف أثبت لهم أنَّ التَّرتيب الصَّحيح للجملة هو: لم تسع الفرحة البنت، وليس: لم تسع البنت الفرحة؛ لأنَّ السُّؤال المهمَّ في مثل هذه الحالة هو: مَن الذي قام بالفعل؛ لأعتبره فاعلًا؟ ومَن الذي وقع عليه الفعل؛ لأعتبره مفعولًا به؟ والإجابة هنا – بالنِّسبة لذهن الطَّالب القاصر – شبه مستحيلة؛ وأغلب مَن رأيتُهم يندهشون، ويؤكِّدون أنَّ مَن قام بالفعل هو (البنت) وليس (الفرحة)؛ وذلك لغموض العلاقات في الجملة، ولكنني اهتديتُ أخيرًا إلى الحلِّ: وهو إعادة صياغة الجملة كالتَّالي: “البنت لم تَسَعْهَا الفرحة بنجاحها”؛ لكي أؤكِّد لهم أنَّ الفاعل هو [الفرحة] لا [البنت]). – وهنا، أدير الحوار التَّالي مع مَن لا يقتنع بوجهة نظري: س: هل تتَّفق معي على أنَّ صياغة الجملة بهذه الطَّريقة صحيحة؟ ج: نعم. س: هل ترى ثمَّة تناقضًا بين قولي: لم تَسَعْ البنت الفرحة بنجاحها، وقولي: البنت لم تَسَعْهَا الفرحة بنجاحها؟ ج: لا، لا أرى تناقضًا. س: حسنًا، على مَن تعود هاء الغيبة في (تَسَعْهَا) بالجملة الجديدة؟ ج: على (البنت). س: ألا يمكن أن تكون عائدةً على (الفرحة)؟ ج: لا، بل هي تعود – بلا شكٍّ – على البنت. س: حسنًا، فما إعراب هاء الغيبة في الجملة؟ بل ما إعراب هاء الغيبة في أيِّ فعلٍ تتَّصل به؟ ج: مفعول به. – بما أنَّ إعراب هاء الغيبة: مفعول به، وبما أنَّها تعود على كلمة (البنت)؛ إذًا – وبالعودة إلى الجملة الأصليَّة – فإنَّ إعراب كلمة (البنت): مفعول به؛ وبالتَّالي يكون إعراب كلمة (الفرحة): فاعل!
مشاركة :