جذبت المشاركة الدولية الواسعة في مؤتمر السلام حول ليبيا ببرلين أنظار العالم والوطن العربي، ورغم الاهتمام بفعاليات القمة وتوصياتها فإن السؤال الذي يشغل بال الليبيين “ماذا بعد؟ وما الخطوات المقبلة لتنفيذ التوصيات والقرارات؟ توصيات ” برلين” تضمن البيان الختامي لقمة برلين عدة توصيات أبرزها “تجنب التدخل في النزاع المسلح في ليبيا أو في شؤونها الداخلية واحترام حظر الأسلحة، والامتناع عن كل عمل من شأنه أن يفاقم النزاع بما في ذلك تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد مرتزقة. ودعا المشاركون إلى تطبيق عقوبات مجلس الأمن الدولي بحق أولئك الذي “ينتهكون بدءا من اليوم” الحظر، وخفض التصعيد ووقف إطلاق النار بصورة ثابتة، وإعادة تمركز للأسلحة الثقيلة والمدفعية والطائرات بغية تجميعها في ثكنات، ووضع حد للتحشيد العسكري سواء كان يحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من أطراف النزاع، وذلك على كامل التراب الليبي وفي المجال الجوي. كما تضمن البيان الختامي تشكيل “لجنة عسكرية” مؤلفة من 10 ضباط، خمسة عن كل جانب، يقع على عاتقها أن تحدد ميدانيا آليات تنفيذ وقف إطلاق النار، ونزع سلاح الجماعات المسلحة والميليشيات في ليبيا وتفكيكها، على أن يُتبع ذلك بدمج عناصرها في المؤسسات المدنية، والأمنية والعسكرية، ودعيت الأمم المتحدة إلى دعم هذا المسار. وأوصى المشاركون بالإغلاق التدريجي لمراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء، وتوحيد المؤسسات الليبية، بخاصة المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وضمان أمن المنشآت النفطية. خطوات بعد “برلين” وأعلنت الأمم المتحدة عن عقد قمة ليبية- ليبية في نهاية كانون الثاني/يناير في جنيف، من أجل تشكيل حكومة موحدة مهمتها التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية. كما كشف المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، عن دعوة اللجنة الأمنية العسكرية (5+5)، خلال أيام للاجتماع بعد تسلمه أسماء أعضائها من كلا الطرفين الليبيين وستعمل على المطالبة بمغادرة كل المقاتلين الأجانب للأراضي الليبية في أسرع وقت. وأوضح سلامة، خلال تصريحات له مع موقع سبوتنيك الروسي عقب انتهاء مؤتمر برلين، أن حل الأزمة الليبية سيسير وفقا لثلاث مسارات اقتصادي وسياسي وأمني، ويبدأ المسار الأول نهاية هذا الشهر، وأما اللجنة المالية والاقتصادية فقد بدأت اجتماعاتها في السادس من يناير. وأكمل سلامة أن المسار السياسي يقوم على اختيار 13 مندوبا من مجلس النواب، ومثلهم من مجلس الدولة، وعددا من الشخصيات المستقلة، ونساء وممثلي المكونات وما شابه وتختارهم البعثة ويجتمعون مع المندوبين القادمين من مجلسي النواب والدولة. وأكد أن المسار يشمل البحث في كل الموضوعات السياسية المعلقة منذ سنوات، وبينها مصير مسودة الدستور، التي تم التفاهم عليها في الهيئة التأسيسية ومصير قوانين الانتخاب الضرورية وتحديد موعد الانتخابات وربما إعادة تشكيل حكومة موحدة لعموم ليبيا، تشرف على إجراء الانتخابات. السراج بعد “برلين” لم يتوقف هجوم رئيس حكومة الوفاق فائز السراج على القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر حتى بعد مؤتمر برلين، حيث قال عقب اختتام المؤتمر إن ليبيا ستواجه وضعا كارثيا إذا لم تضغط القوى الأجنبية على حفتر لوقف حصار حقول النفط الذي أوقف إنتاج الخام تقريبا. وأضاف السراج لرويترز أنه يرفض مطالب حفتر بربط إعادة فتح الموانئ بإعادة توزيع إيرادات النفط على الليبيين، مشيرا إلى إن الدخل في النهاية يعود بالفائدة على البلد بأكمله. وأوضح أنه سيحترم دعوة قمة برلين إلى وقف إطلاق النار وإجراء محادثات سياسية لكنه لن يجلس مرة أخرى مع حفتر. استمرار التدخل التركي في أول تصريحات للرئيس التركي رجب أردوغان عقب مؤتمر برلين كشف عن إرسال تركيا مستشارين وعسكريين ومدربين فقط لطرابلس. وكشف المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة عن وجود مقاتلين جاءوا من سوريا إلى طرابلس. وفي لقاء تليفزيوني مع رئيس حكومة الوفاق اعترف السراج ضمنيا بوجود مقاتلين سوريين في طرابلس وذلك عند سؤاله حول حقيقة تواجدهم في العاصمة ليجيب قائلا “لا نتردد في التعاون مع أي طرف لصد ما وصفه بـ”الاعتداء”. انتقادات المؤتمر رغم الإعلان عن الخطوات المقبلة لتطبيق مخرجات مؤتمر برلين فإن نتائجه واجهت عدة انتقادات، وقال الكاتب المتخصص في الشأن الليبي، أحمد إبراهيم عامر، إن تطبيق وقف إطلاق النار على الأرض في ليبيا هو أمر صعب، خاصة بعد إرسال أنقرة أكثر من ألفي مقاتل من سوريا إلى ليبيا، مشيرا إلى أن مؤتمر برلين جاء كوجه آخر لمؤتمر باليرمو، إذ لم يتحدث عن آليات دقيقة لتوصيف وحل الأزمة الليبية الراهنة. وأضاف عامر أن غالبية بنود التوصيات كانت مطاطة وغير مكتملة الآليات لتنفيذها، مشيرا إلى وجود بنود تحدثت عن نزع سلاح الميليشيات والتأكيد على مكافحة الإرهاب ودعوة الأمم المتحدة لتشكيل لجنة فنية لرصد خروقات وقف إطلاق النار دون تحديد آليات، خاصة في الوقت الذي ترفض فيه غالبية الأطراف الليبية للتواجد الدولي على أراضيهم. وأشار عامر إلى أن هناك بنودًا متناقضة وظالمة، مثل البند 18 الذي تحدث عن حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا والذي يُعد ظالماً، إذ ساوى بين الجيش الوطني الليبي وميليشيات إجرامية وإرهابية، بينما جاء البند 35 ليؤكد إعادة احتكار الدولة للسلاح وتوحيد المؤسسة العسكرية. وأكد أن المجتمع الدولي لم يستطع أن يوجّه رسالة مباشرة وعلنية إلى تركيا لتدخلها في الملف الليبي، إذ جاء البند 19 من التوصيات في شكل رسالة غير مباشرة لأنقرة بالدعوة إلى عدم تجنيد المرتزقة وإرسال الأسلحة. قرارات ضعيفة قال الكاتب المختص بالشؤون الليبية، المستشار حامد فارس، إن “مؤتمر برلين” بشأن ليبيا لم يأت بجديد وإنه أشبه بمؤتمر باليرمو، مضيفا أن مخرجات المؤتمر ضعيفة، ولا يمكن التعويل عليها، ولا تتمشى مع الأوضاع الراهنة داخل الأراضي العربية. وأوضح فارس أن “مؤتمر برلين” كان يجب أن يخرج بضمانات دولية تضمنها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لافتا إلى أن هناك خطة خبيثة وممنهجة حتى لا يتم حل الأزمة الليبية بشكل أو بآخر.
مشاركة :