اغتالت الولايات المتحدة قائد «محور المقاومة»، وهو أيضاً قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني في مطار بغداد من دون الالتفات إلى التبعات. ربما لاعتقاد الإدارة الأميركية بأن الاغتيال سينعكس إيجاباً على سياستها في الشرق الأوسط، وظناً منها أن قتْل «سردار سليماني» (القائد بالفارسية) سيُضْعِفُ «محور المقاومة» بمجرد إزالة زعيمه، كما سيُضْعِف جبهات حلفاء إيران في فلسطين ولبنان وسورية والعراق واليمن... فهل هذا التقويم دقيق؟ مصدر رفيع في «محور المقاومة» قارَبَ هذا الأمر بقوله إن «سردار سليماني كان الرابط المباشر بين شركاء إيران وقائد الثورة السيد علي خامنئي، وتَمَيَّزَ دورُه بسرعة اتخاذ القرار، ومع ذلك فإن القيادة على الأرض تعود لأطراف هذا المحور بحسب اعتباراتها الداخلية. ففي كل دولة يمارس القادة سيطرتهم المُطْلَقَة تحت سقف أهداف إستراتيجية مشتركة كمناهضة الهيمنة الأميركية ودعْم المُسْتَضْعَفين ومنْع التدخل الخارجي في شؤون بلدانهم. وهذه الأهداف كانت وستبقى مع أو من دون سليماني».... و«في لبنان، يقود الأمين العام لـ(حزب الله) السيد حسن نصرالله المحور في بلاده ولديه علاقة مباشرة مع الرئيس السوري بشار الأسد. ويوجد ضباط لحزبه في سورية والعراق واليمن ويدعمون فلسطين. وهؤلاء الضباط والمستشارون يشكّلون مجموعة من القادة الميدانيين. إلا أن القادة في الصف الأول مسؤولون عن كل تفاصيل المحور في أدق شؤونه، داخل لبنان وخارجه. ويحوط بالسيد نصرالله مسؤولون عن الشأن الاجتماعي يتعاملون مع الداخل اللبناني واحتياجات البيئة الحاضنة، كما مع بقية الحلفاء والأحزاب الأخرى المنافسة»، بحسب المصدر نفسه.وإذ يلفت المصدر إلى أنه «في سورية ينسق ضباط الحرس الثوري مع روسيا والقيادتين العسكرية والسياسية السورية ومع جميع حلفاء إيران الذين يناضلون من أجل تحرير البلاد، ولدى الحرس الثوري سياسة وأهداف مُتَّفَق عليها منذ أعوام وتالياً فإن غياب سليماني لن يغيّر شيئاً في خططه ومسار عمله»، يكشف أنه «في العراق يعمل نحو 100 مستشار عسكري إيراني بناء على طلب الحكومة العراقية. وقد شارك هؤلاء في دعم العراق بالسلاح والاستخبارات والتدريب. وهم لم يخفوا دهشتهم لرؤية الجيش العراقي الذي درّبتْه أميركا لمدة عشرة أعوام يفرّ أمام داعش العام 2014 من دون قتال يُذكر، وتالياً فقد أصبح ضرورياً تثبيت ايديولوجية هذا الجيش وعقيدته لمجابهة أخطار المستقبل».ووفق المصدر عيْنه فإن لـ«حزب الله» اللبناني وجوداً أيضاً في العراق «بناء على طلب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أيام سيطرة داعش على ثلث البلاد. ومن الطبيعي أن يساعد ضباطُ الحزب، العراق على تنفيذ قرار البرلمان بانسحاب كامل القوات الأجنبية إذا رفضت الولايات المتحدة الالتزام بهذا القرار في غضون سنة من تاريخ صدوره. وقد أسفرت تجربة «حزب الله» الطويلة في الحرب عن تجارب مؤلمة لن تنساها أميركا في لبنان والعراق من خلال الهجمات التي قام بها لسنين مضت».وقد كشف نصرالله عن زيارة مسؤولي «حزب الله» للزعيم الكردي مسعود البرزاني في أربيل كردستان عندما كان بحاجة إلى السلاح وخوفه من «داعش». وقد أقرّ البرزاني بدعم إيران له بالسلاح عندما رفضتْ أميركا المساعدة لأشهر عديدة.ولم يكشف نصرالله عن الزيارات المستمرّة لممثلين عن الأكراد إلى لبنان للقاء مسؤولي «حزب الله»، إضافة إلى مسؤولين من السنّة والشيعة العراقيين ووزراء وقادة سياسيين يأتون إلى لبنان بإنتظام للقاء مسؤولي الحزب وزعيمه. فـ«حزب الله» يلعب دوراً أساسياً في تسهيل الحوار بين العراقيين عندما يتعذّر على هؤلاء التغلب على خلافاتهم.والسبب الذي دَفَعَ نصرالله للكشف عن زيارة ضباطه لكردستان ولقاء بارزاني، كان رغبته ببعث رسالة واضحة مفادها بأن «محور المقاومة» لا يعتمد على شخص وأنه موجود في أكثر من ساحة وهو تالياً يُظْهِر وحدة الجبهات مع سليماني أو من دونه. أما بالنسبة إلى بارزاني، فهو جزء من العراق وتالياً سيلتزم بقرار البرلمان الذي قرّر رحيل أميركا عن العراق.«وكان اللواء سليماني قد أوصى بتعيين الجنرال اسماعيل قاآني في حال رحيله. وتالياً، فقد أمر قائد الثورة بإتباع رغبته وإبقاء كل القرارات التي كان اتخذها قبل اغتياله على حالها وخصوصاً الأهداف الإستراتيجية الثابتة. وكذلك أمر الخامنئي بزيادة الدعم لفلسطين ولكل الحلفاء حيث توجد القوات الأميركية في الشرق الأوسط»، بحسب المصدر عينه.وفي رأي المصدر أن «سليماني بَحَثَ عن الشهادة فوصل إليها. وهو يدرك تماماً أهداف محور المقاومة وجبهاته الداخلية واعتباراته وهدفه الإستراتيجي، في إطار جبهة قوية متماسكة ما عدا جبهة العراق التي تشهد تَوَحُّداً للأحزاب بعد الاغتيال وبسببه وهذا بفضل الرئيس دونالد ترامب. وسيعبّر هؤلاء يوم الجمعة في 24 الجاري عن موقفهم من التواجد الأميركي في العراق.ولفت إلى أن «السيد خامنئي وضع في خطبته الأخيرة خريطة طريق لهذا المحور: إخراج أميركا من الشرق الأوسط ودعم فلسطين. كل التنظيمات الفلسطينية تواجدت في طهران بما فيها حماس، التي قال زعيمها إن سليماني شهيد فلسطين. والتقى هؤلاء الجنرال قاآني الذي وعد بزيادة الدعم».وكذلك حضر إلى طهران القادة العراقيون الذين قاتلوا أميركا خلال احتلالها للعراق (2003 - 2011). فقد اغتيل قائدهم أبو مهدي المهندس مع سليماني، «ولذا لديهم الدافع الكافي لمهاجمة القوات الأميركية في العراق»، بحسب المصدر الذي رأى أن «قرار البرلمان العراقي يصبّ في أهداف محور المقاومة. ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أبلغ السفير الأميركي طلبه الرسمي بإخراج كل القوات الأجنبية، بما فيها حلف الناتو، ولدى هؤلاء سنة واحدة للتنفيذ. إلا أن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك عمليات ضد القوات الأجنبية في العراق».وفي اعتقاد المصدر في «محور المقاومة» أن «فلسطين تشكّل الهدف الثاني، كما قال خامنئي، فإيران مصممة على دعم الفلسطينيين لتحقيق دولة لهم. لقد رَحَلَ سليماني، رَحَلَ رجلٌ واستُبدل بآخَر. ولكن الأهداف بقيت وزاد عليها إخراج أميركا من الشرق الأوسط، وتالياً فإن من المستحيل ألا تحصل هجمات قبل انتهاء ولاية ترامب (الأولى) وأثناء حملته الانتخابية، ما سيجعل 2020 سنة حارة على الشرق الأوسط».
مشاركة :