حضرت الطائفية وغاب العراق

  • 5/28/2015
  • 00:00
  • 54
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن لأي حرب من الحروب أن تكون حربا وطنية وحربا عقدية طائفية في نفس الوقت، فهي إما أن تكون حربا وطنية تهدف إلى توفير الأمن والسلامة والحماية لكافة الأطياف المكونة لنسيج الوطن ودرء المخاطر لكافة فئاته والحفاظ على وحدته وتماسكه، أو أن تكون حربا تقودها النزعة الطائفية التي تجد في ملابسات الحرب وظروفها ما يمكن أن يعزز قوة ومكانة ومصالح طائفة محددة على حساب أمن واستقرار ومصالح الطوائف الأخرى، ومن شأن هذه الحرب الطائفية أن تفضي إلى تمزيق الأوطان وضرب وحدتها وخلخلة تركيبتها، وربما انتهت إلى أن تصبح حربا أهلية بعد أن كانت قد بدأت باعتبارها حربا ضد تهديد خارجي لأمن وسلامة هذا الوطن أو ذاك. المعركة التي يقودها الجيش العراقي في الأنبار جزء من حرب تقودها العراق ضد تطرف تنظيم داعش وتهديده لأمن واستقرار العراق واحتلاله مساحات شاسعة من أراضيها، وقتله وتشريده أعدادا كبيرة من مواطنيها، هكذا هي معركة الجيش العراقي في الأنبار، أو هكذا ينبغي لها أن تكون، معركة رايتها عراقية والمقاتلون فيها يقاتلون باعتبارهم عراقيين، وإذا كان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فإن صوت المعركة ينبغي له أن يكون صوتا عراقيا مبرأ من أي نزعة طائفية أو انحياز مذهبي، ومن هنا كان التخوف العراقي والعربي والدولي من أن يقود تدخل الحشد الشعبي في معركة العراق ضد داعش لتحويلها من معركة وطنية إلى معركة مذهبية طائفية لا تسعى إلى تطهير المدن العراقية من داعش، بقدر ما تنتهز الفرصة لتحقيق مكاسب على أرض المعركة لطائفة محددة وتوسيع دائرة نفوذها وتكريس قوتها وسيطرتها على مفاصل الدولة العراقية. وإذا كان استبعاد الحشد الشعبي من المعركة ضد داعش مطلبا دوليا، بل ومطلبا عراقيا وطنيا، فإن الهزائم العجيبة والانسحابات المبهمة للجيش العراقي أمام داعش جعل من عودة الحشد الشعبي خيارا لا بد منه، وكأن العراق قد أصبح أمام قدرين لا ثالث لهما: الاستسلام لتمدد داعش، أو التسليم بتمدد طائفية الحشد الشعبي وتحقيق أجندته التي لا تخدم العراق بقدر ما تخدم الأجندة التي خطط لها نظام الملالي في إيران. وإذا كانت الحكومة العراقية قد حاولت جاهدة أن «تبيض» وجه الحشد الشعبي وتلبس مشاركته ثوبا وطنيا، فإن شعار (لبيك يا حسين) الذي اتخذه الحشد الشعبي لمعركته في الأنبار مزق هذا الثوب الوطني، وأكد أن الحرب في العراق ليست حربا وطنية تهدف لحماية مواطنيه جميعا، وإنما هي حرب طائفية يتم استغلالها لتحقيق مآرب وطموحات فئة وطائفة محددة، وعندها سيكتشف العراق مستقبلا أن حربه مع داعش كانت أقل خطرا من الحرب التي تبدو مؤشراتها الطائفية في الأفق.

مشاركة :