"الشرعية".. حصان طروادة أردوغان للتدخّل في شؤون الآخرين

  • 1/22/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في قمة الغضب الشعبي الداخلي وفي أوج نشاط المعارضة التركية ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، شنّ الرئيس التركي عملية عسكرية في شمال شرق سوريا نجحت في تخفيف الضغط الداخلي عليه، وإرباك صفوف المعارضة، التي وجدت نفسها مضطرة لدوافع قومية إلى تأييد الحملة العسكرية ولو ضمنيا. لكن، على عكس مغامرات أردوغان العسكرية في سوريا، فإن التدخّل في ليبيا لا يحظى بدعم داخل تركيا. وإذا كان التخويف من الأكراد حجة قوية للحصول على تأييد ثلاثة أرباع الأتراك للتدخل في سوريا المجاورة، لا يجد حديثه عن دعم الشرعية أي صدى ولا يجد الأتراك أي مبرر مقنع للاستثمار في الحرب في هذا البلد الواقع بشمال أفريقيا. وعلى الرغم من أن البرلمان التركي منح أردوغان سلطة تحديد توقيت التدخل العسكري وحجمه، فإن التصويت الذي أُجري في الثاني من يناير على التدخل في ليبيا شهد انقساما كبيرا. فقد انضم حزب المعارضة الرئيسي (حزب الشعب الجمهوري) والحزب الصالح القومي، اللذان أيدا التوغل العسكري في سوريا، إلى حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في معارضة التدخل في ليبيا. اعتاد أردوغان التدخّل في شؤون الدول الأخرى، بذرائع شتّى. وفي كل مرة ينتقي القناع الذي يحتاج إليه ويخدم مصالحه وسياساته، بما يتناسب مع تدخّله في حالة كلّ دولة على حدة. وفي السياق الليبي، يستعمل أردوغان مصطلح الشرعية، التي توصف بأنّها تبنى على القبول والاعتراف الدولي والشعبي بسلطة ما، كسلاح يبرر تدخله، في حين أنّه يضرب بفكرة الشرعية نفسها عرض الحائط في الحالة السورية، ويتدخّل في الأراضي السورية، ويجتاح أجزاء منها، لنجدة الجهاديين والمتطرّفين من جهة، ولمحاربة الأكراد ومشروعهم في إقامة الإدارة الذاتية الكردية في مناطق بشمال شرق سوريا من جهة أخرى. لا تبدو الشرعية التي يتخفّى أردوغان خلفها لتبرير تدخّله العسكريّ في ليبيا، وإرساله مرتزقة سوريين وجهاديين متشدّدين، بالإضافة إلى قوات من الجيش التركي، للحؤول دون سقوط حلفائه الإسلاميين المتشددين في طرابلس، سوى قناعا يبرّر به تطلعه للمقدرات التي يمكن أن يؤمّنها له توسّعه في المتوسط وشمال أفريقيا، تمهيدا للتغلغل أكثر فأكثر في العمق الأفريقي. فتح أردوغان، الذي يقول معارضون أتراك إنه هو أيضا يعيش أزمة شرعية في الداخل، حدوده للإرهابيين والجهاديين للعبور من وإلى سوريا، وقام برعاية جبهة النصرة، التي تعدّ فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا، وتدخّل في عدّة مناطق سورية، في عمليات عسكرية أطلق عليها تسميات مختلفة، منها غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام، وغيرها، وذلك من دون أن يسأل عن الشرعية، أو يعترف بها، كما أنّ الحكومة السورية المعترف بها من قبل الأمم المتّحدة، ظلّت تكرّر رفضها للاجتياح التركي لأراضيها، من دون أن تلقى دعواته أذنا صاغية لدى أردوغان. وقالت ليزل هنتز، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة جون هوبكنز، في تصريحات لموقع أحوال تركية، إن “الدعم العسكري لقوة صديقة أيديولوجيا وماليا في ليبيا لا يخلق الشعور القومي ذاته الذي يخلقه غزو سوريا، والذي غذّته المخاوف الأمنية المشروعة والمشاعر المعادية للأكراد”، لذلك استند أردوغان إلى عبارات تدغدغ المشاعر، مثل الحديث عن دعم الشرعية والقول إنه من الواجب على تركيا حماية “الأشقاء” في ليبيا. وزعم أن أكثر من مليون تركي يعيشون في ليبيا. ثم دعم ذلك بديباجة “العلاقات التاريخية والاجتماعية المتينة مع ليبيا”. لكن هاورد آيزنستات، الأستاذ المساعد المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة سانت لورنس، قال في تصريحات لموقع “أحوال تركية”، إن أردوغان يبالغ في بيع التاريخ، على الرغم من أنه “صحيح أن ليبيا –التي كان يشار إليها في تركيا العثمانية باسم ولاية طرابلس الغرب– كانت ولاية عثمانية في يوم من الأيام، وأن العثمانيين حاربوا الإيطاليين هناك”. وأضاف آيزنستات أن “تركيا منذ فترة طويلة توفّر العمال الماهرين على جميع المستويات لقطاع النفط في المنطقة، وكانت ليبيا وجهة مهمة للعمال القادمين من تركيا لعشرات السنوات”، لافتا إلى أن “الخطاب الأيديولوجي هنا تأثيره أقل كثيرا من الاعتبارات الإستراتيجية العملية” مقارنة بسوريا. ولكن، تعتبر الشرعية التي يختبئ أردوغان وفائز السراج خلفها في ليبيا ملغاة كما مذكرات التعاون الأمني والعسكري الموقعة بينهما، معدومة الأثر القانوني، وبحكم الملغية، لأنّه لا يمكن الاعتراف بها على ضوء المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، الذي ارتضاه الليبيون، ومنه تستمّد حكومة السرّاج ما تصفه بشرعيتها، وتُحدّد الاختصاصات المخولة لمجلس رئاسة الوزراء، حيث تنصّ صراحة على أن المجلس ككل -وليس رئيس المجلس منفردا- يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية. ويقول إيان جيه.لينش، الأكاديمي المهتم بشؤون الشرق الأوسط، إن تدخل أردوغان في ليبيا يجسد هدف حزبه –حزب العدالة والتنمية– القائم على الهوية، والمتمثل في إظهار قدرة تركيا على تشكيل الأحداث وتقديمها في صورة إيجابية تجعلها القائد الشرعي للمنطقة. وأيدت ذلك ليزل هنتز، مشيرة إلى أن “الأمر مرتبط بالنفوذ والمكانة التي ستكتسبها تركيا من خلال تعزيز دور الزعامة الإسلامية الذي تلعبه في المنطقة”. وأضافت أنّ “الدعم العسكري لليبيا مرتبط بسوريا من حيث أن تركيا ربما كانت تعتقد أن بإمكانها جمع أوراق ضغط تساعدها في التفاوض مع روسيا في قضية إدلب المصيرية، على الرغم من أن هذا الفهم قد لا يكون دقيقا. التصورات تشكّل أيضا ملامح قدرة تركيا على وضع نفسها في صورة القيادة الإقليمية والوسيط… في نظر الأطراف المحلية والدولية على حدّ سواء”. وقال جيه.لينش إن الشرعية التي يلهج بها أردوغان هي تهديدا لاستقرار دول قائمة، وتبحث عن نوع من التحريف والتحوير لتلائم أطماعه الاستعمارية ومشاريعه التوسعية لاستعادة ما يصفها بأمجاد الدولة العثمانية، وهي أداته لتفتيت الدول، وزرع مزيد من الشقاق والخلاف بين أبنائها. ويذهب في ذات السياق مراقبون للشؤون التركية مشيرين إلى أن رؤية أردوغان للشرعية مستمدّة من هوسه بالزعامة الإسلامية، حيث يزعم أن الشرع، وفق طريقته الانتقائية وفهمه الغريب له، يجب أن يكون أساسا للشرعية، وهذه بدورها تنحرف نحو المفهوم الإخواني الذي يحاول احتكار تمثيل الإسلام واستغلاله بحسب مصالحه السياسية.

مشاركة :