ترصد مجموعة “بوسعي أن أقول” للشاعر لبيد العامري أجواء الحياة التي تختلط فيها الصورة بمتخيّل الشعر الذي يتيح للكائنات مساحة الأمنيات. بهذا المقطع يبدأ العامري قصيدته “زرقة” مهدياً إياها لوالده يقول “على الشاطئ/ يحتضنُ البحر/ وجوهَهم مُوَلّين ظهورهم للحياة”. ينهل العامري نصوص مجموعته الشعرية، الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، من مرجعية الانتساب لسَمِيّه الشاعر والفارس والصحابي لبيد بن ربيعة العامري، صاحب معلقة “عفت الديار محلّها فمقامها”، وإرث والده الشاعر مبارك العامري الذي اختار له اسم لبيد تيمّنا وعتبةً لما سيكونه الفتى، فلم يخذل الابنُ الاسمَ ولا الانتساب، فصار شاعرا. ولاختلاف الزمان والبلاغة وجماليات القصيدة، تَشبّع الشاعر بالتراث، وارتوى بما خطّ والده، ولكنه ذهب للقصيدة الغنائية باختلاف موضوعاتها التي تفيد من الجماليات المعاصرة ببلاغة الصورة والتكثيف والمفارقة. ويتجلى ذلك الاختلاف بين الإرث الذي حمله الشاعر الشاب، تراث ما حمله والده وسلفه، باختيار العنوان الذي ينطوي على جواب غُيِّب فيه السؤال، إذ حملت المجموعة عنوان “بوسعي أن أقول”. وبما أن العنوان يمثل ملامح ما يجول في النفس بما يتبدّى في الظاهر، فإن الشاعر هنا كانت تثقله الأسئلة عن المساحة التي يمكن أن يرتادها، وهي مساحة تنطوي على التحدي الذي يتيح له ما يمكن أن يقال إزاء ما تَراكم في البيئة التي عاش فيها، وتشبّعت بظلال القصائد وعلامات السرد. وفي لحظة كمن يكتشف الجواب، كما قال أرخميدس “يوريكا”، قال لبيد “نعم، بوسعي ذلك”. استطاع الشاعر في مجموعته أن يستفيد من الصورة السينمائية المتحركة التي تمتزج فيها الموسيقى والمؤثرات والإضاءة والأشخاص، ليكتب القصيدة السينمائية، التي تنطوي على الحكاية بتقنية القطع كمقترح جمالي يوائم لغة العصر وروحه. فكان القول في مجمله صورة، تسحب القارئ إلى عوالم شعرية مختلفة معدنها بيئة الشاعر ومحيطه بدرجة أولى، ومحركها الحنين والذاكرة. في قصيدته، ذهب لبيد إلى اللقطة/ اللحظة التي تصور الأحاسيس والمشاعر بتداعيات المشهد وبلاغة الاختزال وجماليات الصورة، يقول الشاعر “في الصباح أفتح النافذة/ كعادتي/ ثمّة نسمات عليلة/ تتنفس بهدوء/ وكأنها/ مستغرقة عميقا/ في ‘يوجا‘/ بينما الروح/ تتراقص/ كما دراويش/ في حلقة وجد”. هي شعرية اللحظة التي يلتقطها العامري، ويقبض عليها ليؤبّدها في النص/ القصيدة. جل نصوص المجموعة مشتغل عليها بتقنية الكاميرا، التي تلتقط التفاصيل من الكلي إلى الجزئي وتتحرك من أعلى إلى أسفل، والعكس. لكن قصيدة النثر التي تقترح على نفسها أن تتحمل مسؤولية التصوير السينمائي والتقاط التفاصيل المهملة كما هو حال شعر يانيس ريتسوس، لا تحتمل الزوائد والمحسنات البلاغية، وهذا وإن لا حظناه في مجموعة لبيد العامري، فإن نصوصه لم تخل من بعض الثقل الإجرائي خاصة في ما يتعلق بالتشابيه باستخدام أدواته (كـ، كما، مثل) وهو ما بات مكررا في ما يكتبه شباب الشعراء العرب.
مشاركة :