صادق البرلمان المغربي، الأربعاء، بالإجماع على قانونين يؤكدان سيادة المغرب البحرية على أقاليمه الجنوبية. وأعلن وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة قبيل المصادقة على النصين، “كان علينا تحيين المنظومة القانونية الوطنية للمجالات البحرية”، مضيفا أن “من شأن هذا التحيين أن يتيح تحديدا دقيقا للمجالات البحرية الواقعة تحت سيادة المملكة المغربية”. وصوت أعضاء مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، بالإجماع على هذا القانون، بالإضافة إلى قانون ثان مرفق به ينص على إحداث منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية. وأكد بوريطة في عرضه أمام البرلمان أن تبني هذين القانونين هو “مسألة داخلية سيادية”، لكنه شدد في الوقت نفسه على “انفتاح المغرب واستعداده للحوار والتفاوض مع جيرانه وخاصة إسبانيا لمعالجة أي تداخل في المجالات البحرية للبلدين”. يتوقع مراقبون أن تبدي إسبانيا تفهما للخطوة المغربية خاصة وأنها إجراء قانوني هدفه حماية حقوقها السيادية، ولا غاية من ورائه لتوتير العلاقات بين دولتين متقاربتين جغرافيا من جهتهم أبدى النواب تأييدهم التام للقانونين. ووصف محمد أبودرار رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بالبرلمان لـ”العرب” قرار المصادقة على القانونين بمثابة “محطة تاريخية كون هذين المشروعين اللذين تم التصويت عليهما بالإجماع من جميع مكونات المؤسسة التشريعية، لهما أهمية خاصة، لأنهما يكرسان الهوية المجالية للمملكة المغربية في إطار من الوضوح التام، من طنجة إلى الكويرة، ومن طنجة إلى السعيدية”. ولفت أبودرار إلى أن “اتفاقية قانون البحار تفرض علينا تحديد مجالنا البحري، وتوضيح امتداد الحدود البحرية للمملكة المغربية بشكل دقيق”. ويحدد القانونان المجال البحري الذي يقع تحت السيادة المغربية على واجهتي البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، بما في ذلك مياه سواحل الصحراء المغربية، حتى الحدود مع موريتانيا. وتؤكد الحكومة المغربية أن مشروعي القانونين المتعلقين بترسيم حدود المملكة في المياه الإقليمية يهدفان إلى “سد الفراغ التشريعي الذي يَسِم المنظومة القانونية الوطنية المتعلقة بالمجالات البحرية وملاءمتها مع سيادة المغرب الداخلية الكاملة على كل أراضيه ومياهه من طنجة إلى الكويرة”. وأوضح ناصر بوريطة أن من الأسباب التي أملت هذه الخطوة ضرورة تحيين التشريعات الوطنية لتطابق “السيادة الكاملة للمملكة المغربية في حدودها الحقة البرية والبحرية”. ويعود تحيين المنظومة القانونية للمجال البحري للمملكة المغربية، إلى سنوات 1973 و1975. وشرح الهيبة عدي، رئيس مركز الدراسات والأبحاث السياسية والاستراتيجية للشؤون الصحراوية، لـ”العرب”، بعض الدوافع المغربية للمصادقة على القانونين. ويعد تجاوز الفراغ التشريعي المتعلّق بترسيم الحدود، وتحيين المنظومة القانونية للمجال البحري أبرز مبرراته، حسب تعبيره. وبين عدي أن من “شأن تحيين القوانين المرتبطة بالمجال البحري المغربي أن يتيح تحديدا دقيقا للمجالات البحرية الخاضعة للسّيادة المغربية”. وفي أول رد فعله على قرار المغرب ترسيم حدوده البحرية، قال رئيس جزر الكناري أنجيل فيكتوري توريس في تصريحات صحافية “الحدود لن تتغير أبدا إذ تعتبر إسبانيا أنها في منطقتها الاقتصادية الخالصة، ومن ناحية أخرى يحاول المغرب على الأقل إدراج جزء من هذه المنطقة داخل حدوده البحرية الجديدة في شرق المحيط الأطلسي. وأشارت حكومة الجزر إلى أن المواقف التي تبنتها وتدافع عنها هي نفس المواقف التي تدافع عنها الحكومة المركزية في مدريد، وأنها “مدعومة في ذلك من قبل جميع القوى السياسية الممثلة في برلمان جزر الكناري على المحيط الأطلسي”. وسبق أن أثار تحديد المجالات البحرية توترات بين المغرب وإسبانيا، خصوصا بعد عمليات استكشاف حقول نفطية في المنطقة، فسواحل البلدين متجاورة بحيث تفصل أقل من 100 كيلومتر جزر الكناري الإسبانية في المحيط الأطلسي عن السواحل المغربية الجنوبية، ويحق لكلا البلدين المطالبة بمجال بحري يمتد ما بين 200 إلى 350 ميلا. كما أنهما متجاوران على الواجهة المتوسطية حيث تقع شواطئ المغرب على مرمى حجر من نظيرتها الإسبانية، فضلا عن الحدود مع جيبي سبتة ومليلية الساحليين شمال المغرب. وأوضح ناصر بوريطة في هذا الصدد أن “المغرب ليست له أي نية في فرض الأمر الواقع الأحادي الجانب، لكنه حريص في الوقت نفسه على حماية حقوقه السيادية ومستعد للحوار البناء على أساس المنفعة المشتركة”. وأعلن، في تصريح للصحافة عقب جلسة التصويت، أنه سيؤكد هذا الأمر لنظيرته الإسبانية أرنشا كونزاليز التي تزور الرباط، الجمعة، مشيدا بالعلاقات مع هذا البلد الذي وصفه “بالشريك الاستراتيجي والحليف الموثوق”. ويتوقع مراقبون أن تبدي إسبانيا تفهما للخطوة المغربية خاصة وأنها إجراء قانوني هدفه حماية حقوقها السيادية، ولا غاية من ورائه لتوتير العلاقات بين دولتين متقاربتين جغرافيا وتجمعهما علاقات قوية. وأشار أستاذ العلاقات الدولية، خالد شيات، لـ”العرب”، أن “هذه الخطوة ذات بناء قانوني سيادي ومتطلعة لتعزيز التعاون والشراكات مع الدول في ظل واقع واضح، وليست لها أبعاد استفزازية أو صدامية”.
مشاركة :