كيف تساعد الحرف التقليدية على تمكين الإماراتيات؟

  • 1/25/2020
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في حي الفهيدي التاريخي بدبي، التقت باميلا كسرواني بمديرة «الغدير للحرف الإماراتية»، مريم الكندي لتُحدثها أكثر عن هذه المؤسسة وعملها في تمكين النساء بفضل إتقان الحرف التقليدية الإماراتية. الحرف التقليدية الإماراتية تُعانق حرفة صقل المجوهرات الإيطالية بفضل تعاون بين مؤسسة «الغدير للحرف الإماراتية» ودار دامياني الايطالية لصناعة المجوهرات؛ تعاون شرقي غربي تجسّد بسوار «إنفينيتا» الذي جمع بين أرقى أشكال النسيج الإماراتي وفخامة المجوهرات الإيطالية.تعاون انعكس في فعالية نُظّمت قبل أسابيع في حي الفهيدي التاريخي وحيث التقينا بأم علي ومريم، حرفيتَين من الغدير، كشفتا لنا كيف أصبح هذا السوار حقيقة بفضل حرفة التَلي التي تتقنانها؛ حرفة تعتبر من أعرق فنون التطريز تجمع بين خطوط الحرير والخوصة المعدنية تنسج على أداة تسمى «كاجوجة» وهي أشبه بوسادة على قاعدة حديدية تثبت الخيوط عليها.هذه الحرفة، على غرار حرف أخرى مثل السدو والخوص، تتناقلها أجيال من الإماراتيات وحوّلتها الغدير للحرف الإماراتية إلى أداة لتمكين المرأة وتوفير دخل لها. فأم علي التي تُشعرك من خلف برقعها الإماراتي بثقل السنوات عليها تعلّمت حرفة السدي من والدتها ونقلتها لبناتها أيضًا. هي من أوائل النساء اللواتي انضممن إلى أسرة الغدير وعلّمن النساء الأخريات هذه الحرفة التي تحوّلت من تقليد إلى مصدر عيش لهذه الأم لـ 12 ولدًا. مصدر عيش أيضًا لمريم التي لا تبخل علينا بالكلام هي التي ساهمت الحرف في تعليم أولادها الثمانية. وتقول لنا وهي تتابع السدي «الانضمام إلى الغدير أسهم في اكتساب الصداقة والثقة بالنفس وساعدنا في إحياء ما ورثناه من أمهاتنا وجداتنا ونحاول نقله لأولادنا وأحفادنا…» وهي ترى أن الأهم هو تطوير هذه الحرفة التقليدية لتُحاكي التطور والحداثة.تطوير هذه الحرف وتمكين النساء، أهداف كانت أساس تأسيس مؤسسة الغدير للحرف الإماراتية عام 2006. وتعود مريم الكندي بنا إلى الوراء قائلة «كانت العديد من النساء، من مختلف الجنسيات والأعمار والظروف، يتوافَدن إلى مركز الهلال الأحمر من أجل المساعدة». وحينها رأت رئيسة هيئة الهلال الأحمر الشيخة شمسة بنت حمدان آل نهيان أن نمكّن هؤلاء النساء ونعطيهنّ التدريب والمساعدة اللازمة لأنهن قد يتقنّ حرفة، يجهلن كيفية الاستفادة منها.وهنا تقول الكندي «دعونا لا ننسى أن الحرف كانت أساس الحياة في الماضي ولم تكن هواية فقط. والآن بعد تطور العالم، وجدت المرأة أن حرفها الأساسية لم تعد مهمة». وتضيف الكندي «نريد أيضًا الحفاظ على الحرف الإماراتية مثل السدو الموجود في الخيام والخوس الذي يستخدمون فيه النخيل وغيرها كصناعة البراقع أو العطور والفخار..».وهكذا، انطلقت ثلاث نساء من مكتب الهلال في تمكين النساء اعتمادًا على هذه الحرف التقليدية حيث تخبرنا الكندي بأن المئات من الحرفيات، سواء إماراتيات أم لا، سواء أتقن حرفة أم لا، استفدن من هذا البرنامج.وعن طريقة العمل؟ تطلعنا الكندي على أن النساء يأتين إليهم مشبّهة المركز بمجتمع مصغّر حيث تخبر كل امرأة استفادت من برامجنا أخريات.. وهكذا دواليك.سواء كانت السيدة تتقن حرفة ما أو تريد تعلّمها، تخضع جميعهنّ، بحسب الكندي، لتدريب. ويتم تحديد التصاميم والنوعية حرصًا على توحيد المنتجات التي يجب أن تكون متماثلة في كل نقاط البيع مثل متحف اللوفر في أبوظبي والمولات والأماكن السياحية المشهورة. وتؤمّن الغدير مساحة للتدريب والإنتاج إلا أنها تمنح النساء خيار العمل من المنزل. وتقول الكندي «نعطيهن المواد الخام والتصاميم وندربهنّ ويمكنهنّ الذهاب إلى البيت وصنع منتجات كثيرة»، مضيفة «كل بيت يعتبر مشغلاً لنا، ونحن محظوظات جدًا». وتتقاضى كل امرأة راتبًا بحسب انتاجها، فكلما أنتجت أكثر ضاعفت راتبها. وتستقطب الغدير 60% تقريبًا من الإماراتيات وأغلبيتهنّ من أبوظبي في حين السيدات الأخريات من جنسيات مختلفة. أما متوسط أعمارهن فهو تقريبًا خمسة وأربعون، وبعضهن لا يملكن شهادات جامعية أو دراسية، لذلك تستهدف الغدير هذه الفئة من السيدات التي غالبًا ما تعجز عن الحصول على وظيفة. وتشدد الكندي «نحن نستهدف هذه الفئة من المجتمع أو تلك المضطرة إلى البقاء في المنزل أو حتى التي ترى في هذه الحرف هواية لها تريد استغلالها».سنوات مرّت منذ أن فتحت الغدير أبوابها للنساء. قد تكون المهمة ذاتها إلا أن التغيير الذي يلفّها ملحوظ. وتخبرنا الكندي «أجمل شيء هو أن العديد من الحرفيات، بعد فترة من عملهنّ معنا، لا يحتجن لنا، حيث يجدن وظيفة أو يؤسسن عملهنّ الخاص». كما لاحظت الكندي تغييرات كثيرة في شخصيات الحرفيات حيث تقول «قبل أكثر من 4 سنوات، لم تكن أي سيدة تحب الظهور على التلفاز أو الكلام أو حتى الصور. لكنهن الآن يرغبن في الحصول على الشهرة ويرغبن في الكلام والحفاظ على التراث». ويبقى أن أبرز ما يميّز سيدات الغدير هو حب العطاء، على حد قول الكندي. فحتى لو أنهنّ لجأن إلى الغدير من أجل المساعدة إلا أنهن لا يترددن في مساعدة الآخرين والاستمتاع بقيمة الوقت. فبحسب الكندي «خلقن هنا طقوسًا وعادات. وحين تدخلين عالمهن، كل شيء عبارة عن عطاء. يملكن شعورًا عاليا بالأمان وايمانًا قويًا جدًا. فالبدو يعيشون بلا شيء ويستطيعون التكيف مع الحياة بكل ظروفها». عالم خاص بنساء جعلن من حرفة تناقلتها الأجيال مصدر عيش يفتخر به أبناؤهن وأزواجهن الذين أدركوا أن «النساء يستطعن العمل وإلهام الأولاد وتوفير سعادة وعطاء أكثر للبيت»، بحسب الكندي.أما من جهة القيمين على الغدير فيبقى الهدف الدائم البحث عن وسائل للحفاظ على الحرف بطريقة مبتكرة ما ينعكس مثلاً بالتعاون مع الشركات الأجنبية. تعاون مع الشركات الأجنبية أو حتى مع مصممين شباب وإنما أيضًا رغبة في توثيق هذه الحرف ومعانيها وكيفية استخدامها وطريقة صناعتها؛ رغبة عزيزة على قلب الكندي التي تريدها عملية مبتكرة لتبقى قصة الحرف الاماراتية حيّة من جيل إلى جيل. «فإذا لم يكن هناك قصة فكل شيء يغدو بلا معنى». 

مشاركة :