على مر تاريخها، واجهت اليابان كوارث عديدة خلّفت أعداداً كبيرة من الضحايا. فبعيدا عن قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية سنة 1945، عرفت اليابان سنة 1923 فاجعة زلزال كانتو الكبير الذي خلف أكثر من 100 ألف قتيل ومرت عام 1792 بكارثتي زلزال وتسونامي أونزين، عقب ثوران بركان أونزين، اللذين خلّفا 15 ألف قتيل وعاشت عام 1657 على وقع حريق ميريكي، الذي دمّر العاصمة السابقة إيدو مسفرا عن مقتل ما لا يقل عن 100 ألف شخص. لكن قبل ذلك بنحو ألف عام، واجهت اليابان خلال القرن الثامن، تزامناً مع فترة حكم الإمبراطور شومو (Shōmu)، واحدة من أسوأ الكوارث حيث عانى اليابانيون من تفشي مرض الجدري الذي قيل أنه انتقل للبلاد بشكل عفوي ليتسبب في هلاك نسبة كبيرة من السكان. على حسب العديد من المصادر، سجّل مرض الجدري ظهوره باليابان لأول مرة خلال شهر آب/أغسطس 735 بمدينة دازايفو (Dazaifu) الساحلية التابعة لمحافظة فوكوكا (Fukuoka) بجزيرة كيوشو (Kyushu) بالجنوب الغربي لليابان، حيث ظهرت أول إصابة لدى بحّار دفعته الأمواج وتاه بشبه الجزيرة الكورية قبل أن يتمكن من العودة لموطنه. إلى ذلك، سجّل الجدري انتشاراً سريعاً نحو مختلف مناطق جزيرة كيوشو متسببا في وفاة العديد من اليابانيين، وهو ما انجر عنه تراجع واضح في المحاصيل الزراعية سنة 736 وظهور المجاعة التي جاءت لتزيد من معاناة الأهالي. وخلال نفس العام، سجّل المرض انتقاله من جزيرة كيوشو نحو جزيرة هونشو (Honshu)، التي احتوت على العاصمة وأغلب المحافظات، بفضل وفد دبلوماسي ياباني انطلق من العاصمة ليمر عبر كيوشو ويعبر منها نحو شبه الجزيرة الكورية، أملا في تحسين العلاقات مع المسؤولين الكوريين. وفي خضم هذه المهمة الدبلوماسية، فشل قائد البعثة في العودة سالماً للعاصمة ففارق الحياة بسبب مرض الجدري، بينما نقل رفاقه المرض دون قصد نحو جميع المدن التي مروا بها. وعلى مدار أشهر، خلّف الجدري الخراب بالمدن اليابانية وتسبب في إفراغ بعضها من السكان حيث بلغت نسبة الوفيات بعدد من المدن 60% جرّاء هذا المرض. وأمام هذا الوضع، لم تتردد السلطات اليابانية في إقرار إعفاء عام من الضرائب لجميع السكان بحلول شهر آب/أغسطس 737. بفضل إحصاء الأراضي والمصالح الجبائية بالبلاد، تمكّن اليابانيون من إحصاء عدد ضحايا مرض الجدري ما بين عامي 735 و737 فتحدّثوا عن وفاة ما بين 25 و30% من إجمالي سكان البلاد. أيضا، طالت الوفيات بسبب الجدري العديد من الشخصيات النافذة بالبلاد وبلغت قصر الإمبراطور شومو حيث عرفت عشيرة فوجيوارا (Fujiwara) وفاة العديد من أبنائها المقربين من الإمبراطور. وخلّف الجدري وضعا كارثيا باليابان. فإضافة لعدد الوفيات الهائل، خلّف الجدري حركة هجرة داخلية كبيرة باليابان وتراجعا واضحا في المحاصيل الزراعية دفع السلطات خلال السنوات التالية لمنح الأراضي الفلاحية للمزارعين. على حسب العديد من المؤرخين، مثّل اليابان فريسة سهلة للجدري بسبب عزلته وافتقار سكانه للمناعة والطرق الملائمة لمواجهته كما شهدت السنوات السابقة تراجعا بالمحاصيل الزراعية وساهمت في انتشار فقر التغذية بين اليابانيين وإضعاف أجسادهم. إلى ذلك، تحدّث اليابانيون حينها عن عقاب إلهي مسلط عليهم. ولمقاومة الجدري، اعتمدت السلطات اليابانية على أدوية تركزت أساسا على الأعشاب ووافقت على إقرار اعفاء ضريبي. أيضا، أمر الإمبراطور شومو الرهبان بقراءة بعض النصوص المقدسة وطمأنة الأهالي كما اتجه لتشييد تمثال كبير لبوذا بالعاصمة اليابانية حينها نارا (Nara).
مشاركة :