كتب مصطفى الباشاقال الدكتورة فيرونيكا بيرموديز، مدير أبحاث أول بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة في جامعة حمد بن خليفة، ان الأسباب التي تكمن وراء الحاجة إلى اتخاذ مزيد من التدابير والإجراءات الصارمة لمعالجة القضية الأكثر إلحاحًا في العالم في وقتنا الحاضرهل يشهد العالم اتخاذ الإجراءات الصحيحة لمكافحة ظاهرة التغيّر المناخي في عام 2020؟ كلنا أمل أن يصبح ذلك واقعًا ملموسًا، لكن لا يسعني إلا أن أشعر بالكثير من الإحباط إزاء عدم إحراز أي تقدم منذ توقيع اتفاق باريس للمناخ قبل أكثر من أربع سنوات.فقد جرى التوصل إلى اتفاق باريس خلال الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي عُقد في ديسمبر 2015. وكان بمثابة اتفاق فارق ومُلزم لجميع الدول، البالغ عددها 197 دولة، والموقعة على الاتفاقية، لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع حرارة كوكب الأرض بمعدل 2 درجة مئوية.لقد انتابتني الحيرة نظرًا لعدم اتخاذ أي إجراءات منذ ذلك الحين. فقد كان مؤتمر باريس واحدًا من أنجح المؤتمرات التي عقدَّتها الأطراف المعنية بهذا الخصوص من حيث ابداء الرغبة في الالتزام. وكانت أول مرة يقول فيها الجميع "سنقوم بعمل شيء ما"، ولكن بدلاً من أن ينخفض معدل درجة الحرارة على كوكب الأرض، فإن هذا المعدل لا يزال في حالة ارتفاع.وباهتمام كبير، تابعت أعمال الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر الأطراف الذي عُقد في مدريد الشهر الماضي، حيث كانت نشأتي، وشعرت بخيبة أمل نتيجة عدم اتخاذ أي إجراء خلال هذا المؤتمر. وبينما تبذل بعض الدول الصغيرة جهودًا رائعة، نظل نحتاج إلى الدول الكبرى للتعامل مع هذا التهديد بصرامة وجدية.من جانبها، كانت بلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا الاتحادية قد أرسلت ممثلين ليسوا على مستوى الحدث، وبالتالي لم يتمكنوا من إبداء الالتزام بأي شيء أو مناقشة القضية على المستوى المطلوب، في حين أرسلت دول أخرى ممثلين عن شركات بدلاً من المسؤولين الحكوميين، لذا كانوا مجرد مدافعين عن مصالح شركاتهم. وعلينا أن ندرك أنه ما لم تتغير تلك العقلية، فإننا لن نصل إلى شيء ذي قيمة. وإذا لم ترسل الدول الكبرى، التي تُعد أكبر مصادر التلوث في العالم، ممثلين مناسبين إلى اجتماعات مؤتمر الأطراف، فلن يكون هناك التزام يتناسب وحجم المسؤولية، وبالتالي لن يكون بوسعنا اتخاذ القرارات الصحيحة، في حين أننا نواجه تحديًا هائلاً لتحقيق الأهداف التي التزم الجميع بها منذ أربع سنوات.لا شك أن ظاهرة التغيّر المناخي تمثل حالة طارئة ومُلحة، ومع ذلك لا تتعامل كل الحكومات مع هذه المشكلة على القدر المطلوب. ولا أعرف كيف يمكننا تغيير موقف هذه الدول، لأن الكثير من المصالح السياسية تؤثر على اتخاذ مثل هذه القرارات. فعقب الدورة الحادية والعشرين من مؤتمر الأطراف، بدا أن هناك التزامًا جماعيًا نحو التعامل مع تغيّر المناخ، ثم أعقب ذلك انتخاب دونالد ترمب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، الذي أعلن أنه كان يسعى لانسحاب بلاده من اتفاقية باريس، وهي الاتفاقية التي وقعتها إدارة الرئيس باراك أوباما في وقت سابق.من المؤكد أن الجميع يدرك تلك المخاطر الكبيرة، ولا يحتاج المرء إلى أن يكون عالمًا ليرى أن المناخ يتغير، لذا فإنه من المخيب للآمال أن تتقاعس الدول الكبرى التي تعد أكبر مصادر التلوث على سطح المعمورة عن اتخاذ ما ينبغي فعله. فمتى يعتبرون أن تغيّر المناخ هو القضية الحاسمة لهذا الجيل الحالي؟يأتي استهلاك الفحم بمثابة الإجراء الأسوأ فيما يتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتعتبر أستراليا هي واحدة من المنتجين الرئيسيين له، لكنها أيضًا واحدة من أكثر الدول وقوفًا ضد ما يجب فعله إيزاء ظاهرة تغيّر المناخ، على الرغم من أن هذه الظاهرة سوف تؤثر على أستراليا أكثر بكثير من العديد من البلدان الأخرى. لقد وقعت أستراليا على الاتفاق في الدورة الحادية والعشرين من مؤتمر الأطراف، لكنها مثل كثيرين غيرها، لم تسع إلى تحقيق أهدافها ولم تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها.من جانب أخر، يمكن للغاز الطبيعي أن يكون خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، حيث إنه أنظف من الفحم بكثير، وبالتالي فإن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تقل لكل غرام، وسيكون الغاز حلاً مؤقتًا فقط لوضعنا على النهج الصحيح لتحقيق الغاية النهائية، التي تتمثل في الاستفادة بمصادر الطاقة المتجددة بنسبة 100%. فالطاقة الشمسية أرخص في تكلفتها من تشييد أي محطة أخرى لتوليد الكهرباء، سواء كانت تعمل بالفحم أو النفط أو الغاز، ولكن تكمن المشكلة الرئيسية في أننا نحتاج إلى ضخ الأموال التي تغطي هذه التكلفة من البداية، علمًا بأن انتاج الطاقة الشمسية يكون بلا تكلفة بعد ذلك، وبالتالي نحتاج أن ندرك أنها أفضل مصادر الطاقة، وهي الوسيلة التي ينبغي أن نمضي قدمًا في تطويرها وجعلها متاحة.تتمثل إحدى وسائل تحقيق الاستخدام الواسع النطاق للغاز الطبيعي لاستكمال دائرة الاستفادة من الطاقة المتجددة في وضع تسعيرة عادلة لثاني أكسيد الكربون وعلى نطاق واسع. وقد شهدت المحافل الدولية الكثير من النقاشات السياسية حول هذا الموضوع دون التمكن من التوصل إلى اتفاق نهائي. ومن المؤكد أن العالم يحتاج إلى وصول انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى المستوى صفر بحلول عام 2050، وإذا لم ينخفض مستواه إلى أقل من 50٪ بحلول 2030، أي خلال 10 سنوات من الآن، فسيكون الوقت قد فات.لا شك أن الوقت يداهمنا وبسرعة مذهلة، وقد تأخرنا عن الجدول الزمني المقرر لاتخاذ ما يلزم. ولكن مع مرور الوقت، يجب أن يكون الالتزام والإجراءات الضرورية لتحقيق هدفنا أكثر صرامةً، ما يعني أن تنفيذها سيكون أكثر صعوبة. نحن نتحدث عن نمو هائل وسريع للغاية. إنه ليس مجرد نمو عرضي. وما لم نتمكن من توضيح الأمر على أننا سنكسب المزيد من المال مع هذا التحول الجديد للطاقة النظيفة، أخشى ألا يحدث ذلك أبدًا.علاوة على ذلك، جاءت الدورة الخامسة والعشرون من مؤتمر الأطراف مخيبة للآمال بدرجة كبيرة، فقد أمضوا أسبوعين ونصف لكي يوافقوا فقط على الخروج بمقترحات ستكون أكثر جسارة في الدورة السادسة والعشرين من نفس المؤتمر والتي ستعقد في مدينة غلاسكو في نوفمبر من هذا العام. وربما تخلص الدول إلى مقترحات أكثر شجاعة لوضع أهداف جديدة، ولكن إذا لم يكن هناك التزام، فلن نأتي بجديد بشأن معالجة هذه الظاهرة شديدة الخطورة.وحتى لو حصلت أوروبا على جميع احتياجاتها من الكهرباء من خلال الطاقة النظيفة، فإن ذلك لن يُحدث فرقًا كبيرًا، لأن العالم يحتاج إلى الدول الكبرى التي تُعد أكبر مصادر التلوث وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند لاتخاذ إجراءات أكثر قوة وفاعلية.فالعالم ينتج الكهرباء والطاقة بطريقة شديدة التلوث، وفي نفس الوقت يزداد عدد سكان الكرة الأرضية بشكل مطرد، ونحن لا نغيّر الطريقة التي ننتج بها تلك الطاقة، وما لم نتخذ إجراءات سريعة، فلن يؤدي ذلك إلى شيء سوى كارثة محققة.وبصفتي عالم، سوف أواصل الكفاح في هذا المضمار على الرغم أنها تبدو وكأنها معركة خاسرة، ومع ذلك يجب أن نبذل قصارى جهدنا، ونحن بحاجة إلى أن يقود الساسة هذه الجبهة من خلال التشريعات اللازمة، وأرى أن عليهم أن يفعلوا ذلك الآن.
مشاركة :