غياب المعلم المواطن ظاهرة مقلقة للميدان التربوي

  • 1/26/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق إيمان سرور يلعب المعلم المواطن دوراً أساسياً في عملية التعليم، ويمثل غيابه عن هذه المهنة السامية ظاهرة مقلقة للميدان التربوي والتعليمي، باعتبار وجوده ضرورة بالغة الأهمية لتعزيز مفهوم الهوية الوطنية، وغرس ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده في نفوس الطلبة، والمعلم هو الذي يسعى إلى نهضة المجتمع بالتعاون مع المدرسة عن طريق رفع درجات تحصيل الطلاب ودافعيتهم نحو التعلم، كما أن دوره لا يقتصر على شرح الدروس، أو إيصال المعلومة، بل هو أيضاً الموجه والمرشد الأمثل للطلاب، وذلك ما يؤكده الميدان التربوي من أمثلة كثيرة لمعلمين تركوا الأثر الأكبر في نفوس طلابهم، حيث تحول الطالب المهمل والعنيد والمشاكس، إلى طبيب، أو مهندس، أو مخترع، فالمعلم يتولى مسؤولية عظيمة، وهي تغذية العقل بالعلم والمعرفة، وتنشئة أجيال من الأبناء ليخدموا أنفسهم ووطنهم.أشاد الميدان التربوي بقرار صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بشأن تنظيم عمل المعلم في هيئة الشارقة للتعليم الخاص، وحصر التعيين في وظيفة معلمي الخاص في المواطنين، شريطة حسن السيرة والسلوك، وألا يقل عمر المترشح للوظيفة عن 21 سنة واجتياز كل الاختبارات. وقالوا إن التوجيهات السامية لسموه، تشمل مساواة رواتب المعلمين المواطنين في القطاع الخاص مع رواتب الموظفين المواطنين في الحكومي، كما أن المعلم يخضع لبرنامج الدبلوم التربوي في بداية تعيينه، بتنسيق هيئة الشارقة للتعليم الخاص مع المؤسسات التعليمية الخاصة، وهذا كله يؤدي إلى تذليل العقبات أمام المعلمين المواطنين حتى يكونوا قادرين على التدريس، مشيرين إلى أن تعيين 50 معلماً ومعلمة مواطنة كدفعة أولى في المدارس الخاصة في الشارقة، بالتأكيد سيشجع الشباب المواطنين من خريجي الجامعات على الإقبال على المهنة، خاصة أن هناك مساواة في رواتبهم في التعليم الخاص مع راتب المعلمين المواطنين في الحكومي، بدعم من حكومة الشارقة.عدد من الشخصيات التربوية، شاركت بآرائها في هذا التحقيق الذي نتعرف من خلاله إلى مجمل الصعوبات والتحديات التي يواجهها المعلم، والتي تؤدي في النهاية إلى تقديم استقالته، أو عزوف البعض عن العمل في هذه المهنة السامية، كما نتعرف إلى الجهود المبذولة للمعنيين، والجهات المختصة بالتعليم، في وضع الأساليب والمخارج العملية لجذب المعلم المواطن إلى مهنة التدريس. فتح آفاق جديدة في البداية يقول الدكتور صالح الجرمي، الخبير التربوي إن توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة، بشأن تعيين المعلمين المواطنين في مدارس التعليم الخاص، جاء من حرص سموه على تواجد الكادر التعليمي الوطني في هذا القطاع المهم، خاصة أنه جاء ليفتح آفاقاً جديدة للمعلم المواطن، مشيراً إلى أن توجيهات سموه تؤكد على أهمية العمل في سلك التعليم، وتعزز مكانة وقيمة الرسالة، كما تعيد الثقة بالمهنة السامية، وتحفظ كرامة المعلم، وتحثه على مضاعفة الجهود وتجويد العمل والعطاء بإخلاص، في سبيل خدمة المنظومة التعليمية وتطويرها. عملة نادرة حول ظاهرة غياب المعلم المواطن عن الميدان التربوي، يقول خالد السعيدي مدير مدرسة ثانوية، إن الميدان التربوي لا يزال يعاني مشكلة الغياب، التي ينبغي السعي الحثيث وتكاثف الجهود لحلها، والبحث بشكل علمي في أسبابها وطرح الحلول الناجعة لها، لافتاً إلى أن وزارة التربية والتعليم كشفت مؤخراً عن وجود نقص في معلمي المواد العلمية المواطنين، مثل الرياضيات، والفيزياء في بعض المدارس الثانوية الحكومية، وهذه الإشكالية بمثابة دليل جديد على ضعف إقبال المواطنين على مهنة التدريس، حيث تتفاقم المشكلة من عام إلى آخر، حتى يوشك المدرس المواطن أن يصبح عملة نادرة في العملية التعليمية. ضغوط التطوير وحول مكانة المعلم ونظرة المجتمع لمهنة التعليم، يقول حسن الشامسي وكيل مدرسة حكومية، إن صورة المعلم بدأت تتحسن نتيجة اهتمام القيادة السياسية للدولة بالتعليم والمعلم، خصوصاً أن كل وسائل العملية التعليمية أصبحت متاحة في كل مكان، ولكن لا يزال المعلم يواجه ضغوطاً تتمثل في تسارع وتيرة التطوير، وعليه أن يجاريها، مشيراً إلى أن البعض يصف وظيفة المعلم بأنها وظيفة محتقرة، أو أنها مهنة من لا مهنة له، وأن المعلم مهان، وكل هذه الصفات ليس لها أدنى شيء من الصحة، لافتاً إلى أن المعلم مكرَّم، وكل معلم يرفع أو يخفض من مكانته بحسب نظرته إلى المهنة. جَسر الهوة وتؤكد لولوة المرزوقي، تربوية، أن حل معضلة عزوف المواطنين عن مهنة التدريس يرتبط بشقين لا ثالث لهما، الأول، ضرورة إعادة الهيبة للمعلم، وتعزيز ثقافة التدريس في نفوس الناشئة، أما الثاني، فهو ضرورة إعادة النظر في الكادر المالي، وجَسر الهوة بين ما يتقاضاه المعلم في المدارس الحكومية وما يتقاضاه موظفون في قطاعات أخرى. صعوبات مهنية الصعوبات المهنية سبب طارد للمواطن من مهنة التعليم، وليس الجانب المادي، هذا ما أكدته فاطمة الحوسني مديرة مدرسة، مشيرة إلى أن رواتب التربية والتعليم مقارنة برواتب القطاعات الأخرى تعتبر ضعيفة، ولكن في اعتقادي أن الرواتب ليست سبباً طارداً للمواطنين، وأن اكثر ما يقلق المعلم ويزعجه ويؤدي إلى تذمره من المهنة هو الصعوبات المهنية التي تواجهه لعدم امتلاكه الخبرة والمهارات الكافية، فيجب أن يسعى المعلم دائماً للنمو المهني والتطور والتجديد، وأن يعي الأساليب والتقنيات الحديثة ليقوم بنقل الخبرات المتطورة إلى طلابه بشكل فعال وإيجابي، وبذلك سيتولد لديه حب المهنة والاستمرار فيها. إعداد وتدريب وعن أبرز الصعوبات التي تؤدي إلى عزوف المعلم عن مهنة التعليم، يشير سالم البريكي، «تربوي»، إلى أن هناك فئة من المعلمين لم يُعدّوا أصلاً للتعليم وإنما تخرجوا في الجامعة وتوظفوا مباشرة بعد تخرجهم في الجامعات، مشيراً إلى انهم غير مرتبطين بالكفايات المهنية التي تعرف بأنها «امتلاك المعلم لقدر كاف من المعارف والمهارات والاتجاهات الإيجابية المتصلة بأدواره ومهامه المهنية» والتي تظهر في أداءاته وتوجه سلوكه في المواقف التعليمية المدرسية بمستوى محدد من الإتقان، لافتاً إلى أن مثل هؤلاء يكونون بحاجة إلى برامج تدريب وتقويم مستمرة. معوقات اجتماعية وحول المعوقات الاجتماعية التي تؤدي إلى ظاهرة العزوف يؤكد محمد الطنيجي معلم مرحلة ثانوية في إحدى مدارس أبوظبي، أن مهنة التعليم لا تحظى بمكانة اجتماعية مرموقة، مقارنة بالمهن الأخرى، فالمستقبل الوظيفي للمعلم في المجتمع محدود مقارنة بالمهن الأخرى، وكذلك صورة المعلم المهينة، التي تعرضها وسائل الإعلام، وإن عدم تشجيع الأسر لأبنائها على الالتحاق بمهنة التعليم لكثرة متاعبها، وإهمال المعلم وعدم تكريمه أو الاعتراف بإنجازاته في المجتمع، كما أن المنتمين لمهنة التعليم يعتبرون أنهم أقل من غيرهم من أصحاب المهن الأخرى. اقتصادية وعن المعوقات الاقتصادية التي تؤدي إلى نفور المعلمين من المهنة يقول عبدالله العطاس مدير نطاق، أن هناك 10 معوقات اقتصادية يعانيها المعلم منها: تدني رواتب المعلمين مقارنة برواتب المهن الأخرى، عدم توافر نظام منصف لتقاعد المعلمين في مهنة التعليم، محدودية الترقية الوظيفية في مهنة التعليم، مقارنة بالمهن الأخرى، توافر فرص عمل في القطاع الحكومي أفضل من العمل في مهنة التعليم، عدم استطاعة المعلمين الوفاء بالالتزامات المادية والمعيشية لأسرهم. تغيير ثقافة سائدة كما تشير فاطمة الحارثي، اختصاصية اجتماعية، إلى ضرورة عقد لقاءات تعريفية لطلبة الثانوية العامة، وتعريفهم بمزايا العمل في مهنة التعليم في الخطة الجديدة، ووضع خطة تشارك فيها أجهزة الإعلام والثقافة تهدف إلى تغيير الثقافة السائدة عن المعلم، والعمل معاً على إعادة سمعته ومكانته واحترام وتقدير المجتمع له. خطة طموحة وتضيف شيخة الزعابي تربوية، ضرورة وضع خطة طموحة للترقيات الوظيفة والحوافز التي تلبي طموحات المعلمين في الترقي الوظيفي وربط ذلك بعلاوة مجزية، ووضع خطة للتأمينات الاجتماعية والصحية التي توفر الاستقرار المالي والنفسي لأسر المعلمين المواطنين، وبناء شراكات استراتيجية مع الجامعات المحلية والعالمية الموجودة بالدولة، بهدف الوصول إلى تأهيل تربوي عالي المستوى للكوادر المواطنة. قناعة وإخلاص وأكدت لطيفة الحوسني تربوية أن القناعة والإخلاص في العمل وحب المهنة صفات يجب أن يتصف بها المعلم الذي يرى التعليم رسالة وليس مجرد وظيفة، مشيرة إلى أن هذا الأمر لن يتأتى إلا بتغيير الصورة المشوهة للمعلم في وسائل الإعلام، لأن نظرة المجتمع لها دور أساسي في أن تكون وظيفة المعلم مقدَّرة، وذات شأن عند المعلم نفسه، ما يدعم المهنة ويرتقي بمستوى التعليم.ولنجاح العملية التعليمية مستقبلاً، يقول حمد المزروعي مدير مدرسة سابقاً، انه لابدّ من أن تكون سياسات التوظيف متسقة وقابلة للمقارنة مع بقية المهن، وأن تمدّ المعلمين جميعهم بالشعور بأنهم جزء من المجتمع ومسؤولون تجاهه. تمكين المعلمين تؤكد وزارة التربية والتعليم أنها تعمل على تهيئة بيئة العمل داخل المدارس، لتكون أكثر جذباً ليس للطلبة فقط، وإنما للمعلمين والإداريين، حيث تقول خولة الحوسني مديرة إدارة التدريب والتنمية المهنية، إن الوزارة تعمل وفق منهجية علمية على تمكين المعلمين والمعلمات المواطنين والمقيمين من أدوات التدريس الحديثة وتقنيات التعليم وأساليبه المطورة، عبر حزمة من البرامج التدريبية المتقدمة، التي تنفذها وفق أرقى المعايير العالمية، مؤكدة أن أعداداً كبيرة من المعلمين الموجودين في الميدان تخضع إلى تدريبات مكثفة يحتاجونها للتمكّن من التأقلم مع المنظومة التعليمية الحديثة بمختلف متطلباتها. مقترحات عدد من المقترحات لعلاج ظاهرة العزوف عن مهنة التعليم، يقدمها بعض التربويين، حيث يشير عمر عبدالعزيز مدير مدرسة حكومية، إلى انه ينبغي على الجهات المسؤولة عن التعليم الاهتمام والاضطلاع بمسؤولية توطين التعليم في الدولة، واتخاذ إجراءات تعالج الجوانب المادية والمعنوية والعلمية للمعلمين، منها إعادة هيكلة رواتب المعلمين المواطنين، وزيادتها بما يتماشى مع الارتفاع في تكاليف المعيشة وحجم الأعمال المكلفين بها.

مشاركة :