يحظى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر في مصر بموسم سياحي، هو الأفضل منذ عشر سنوات، بسبب التوافد القوي للسياح القادمين من أوكرانيا منذ أعياد الكريسماس وحتى الآن. وسدت السياحة الأوكرانية ثغرة كبيرة بعد غياب الروس الذين قلّت أعدادهم منذ توقف رحلات الطيران بين البلدين، عقب سقوط طائرة ركاب من طراز “إيرباص-321” في صحراء سيناء ومصرع كل ركابها قبل نحو أربع سنوات، ولا تزال الجهود المصرية مستمرة لاستئنافها. ويقول السفير الأوكراني بالقاهرة يفهين ميكيتينكو إن بلاده واحدة من أكبر الأسواق السياحية بالنسبة لمصر، فالأعداد القادمة منها في تزايد بفضل العلاقات الاقتصادية التي انتقل صداها إلى وكالات السفر الأوكرانية والفنادق المصرية. وتشهد السوق الأوكرانية حملات ترويجية للمقاصد المصرية في وسائل الإعلام أو عبر سفر القوافل السياحية لدفع المزيد من الحركة الوافدة في موسم الشتاء الحالي، مع تعاون متزايد مع الخطوط الجوية بأوكرانيا التي تقوم بتسيير 4 رحلات طيران مباشرة أسبوعيا إلى منتجعات جنوب سيناء. كما تنظم شركات السياحة الأوكرانية أربع رحلات طيران عارض “شارتر” أسبوعيا إلى مدن البحر الأحمر قادمة من خمس مدن رئيسية وهي كييف وأوديسا وخاركيف ولفيف ودنيبروبتروفسك، ما سهل كثيرا على السائحين الوصول إلى المقاصد المصرية. ويضيف ميكيتينكو، لـ”العرب”، أن عدد السياح الأوكرانيين ارتفع من 777 ألفا عام 2017 إلى مليون و174 ألفا في 2018، واستأثرت شرم الشيخ بنحو 40 بالمئة منهم، ولم يتوقف المنتجع عن استقبال سائحين من أوكرانيا حتى في الفترات التي توقفت فيها غالبية الرحلات الأوروبية إليها. وحولت وزارة السياحة خططها الترويجية والتسويقية نحو أوكرانيا لتعويض الأزمة مع توقف السياحة الروسية والإنجليزية اللتين كانتا تمثلان معا نحو 70 بالمئة من السياحة بشرم الشيخ. ودفع تغير خارطة السفر في مصر إلى استقطاب فنانين أوكرانيين لإحياء حفلات داخلها، فشارك الكورال الأوكراني في افتتاح أوبرا عايدة بالأقصر أخيرا، وقبلها استضافت شرم الشيخ فرقة “كييف كلاسيك” السيمفونية، كما دعت وزارة السياحة المشاهير والمدونين من أوكرانيا لزيارتها خلال الفترة القادمة على أمل أن تساهم الصور التي يلتقطونها وتجربتهم في جذب متابعيهم على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مصر. وتتسم المقاصد المصرية بأنها الأرخص مع الهبوط العنيف للعملة المحلية أمام الدولار الأميركي في أعقاب تحرير سعر الصرف، ما جعلها تجتذب أنماطا من السائحين من ذوي الإنفاق المنخفض في دول أوروبا الشرقية، والتي تشهد أيضا توسعات كبيرة لشركات الطيران منخفض التكاليف وفي مقدمتها “راين آير”. وأكد السائح الأوكراني إيلينا، الذي كان يلعب كرة القدم على أحد الشواطئ الخاصة بشرم الشيخ، أن المدينة أصبحت المكان المفضل لعائلته، بعدما حضر إليها تسع مرات سابقة بسبب إلحاح أطفاله على قضاء موسم الإجازات فيها. وحرصت معظم فنادق شرم الشيخ على توفير مناطق ملاه مائية “أكوا بارك” مخصصة للصغار، ضمن خدماتها دون تحميل قيمة إضافية على فاتورة الخدمة، ما جعلها مفضلة للأطفال، خاصة بعد توفيرها لعروض للدلافين والتزلج على المياه بواسطة الألعاب المطاطية. وأشار السائح الأوكراني إلى أنه لا يمل من القدوم، ففي كل مرة يجرب برامج مختلفة من الغوص لرؤية الشعاب المرجانية والأسماك الملونة عبر الغواصة الزجاجية أو رحلات القوارب الشراعية والتزلج على الماء والسفاري بين الكثبان الرملية في الصحراء وتسلق الجبال وركوب الخيل والجمال وزيارة محمية رأس محمد. وأضاف سائحون من أوكرانيا أنهم لا يفضلون تركيا التي تمثل وجهة السائحين الروس بعد انقطاعهم عن جنوب سيناء، لاختلاف الطباع بين الشعبين في ما يتعلق بطواقم الخدمة الفندقية، ففي مصر يتعامل الموظفون والعمال مع السائحين بترحاب حار واستعداد دائم للمساعدة. وترفع المقاصد السياحية المصرية شعار “السائح دائما على حق” ما يجعل الكثير من العاملين بها يبالغون في الترحيب بالسائحين، لأن أي شكوى تعني الفصل أو الخصم المالي دون تحقيق أو إبداء أسباب وحتى لو كان السائح على خطأ. وأوضح السائح سيرغي، لـ”العرب”، أن شرم الشيخ الأرخص سعرا من بين المقاصد السياحية العالمية، ويفضلها بسبب الإجراءات الأمنية المطمئنة التي لا تشعرهم بالقلق خلال تواجدهم. وطورت مصر المنظومة الأمنية بمطار شرم الشيخ بالكامل بتزويدها بأجهزة الكشف عن المفرقعات بالأبخرة المتطايرة التي ترصد أي شخص تعامل مع مادة متفجرة على مدى 15 يوما قبل سفره، وتطبيق إجراءات التفتيش على الجميع دون النظر إلى شخصيتهم أو وظيفتهم، وتركيب نظام أجهزة البصمة البيومترية للتعرُّف على الأشخاص بناء على خصائصهم الفسيولوجية، وشبكة من كاميرات المراقبة عالية التقنية على كل الطرق المؤدية إلى المطار. وشاركت مصر في الدورة السادسة والعشرين لمعرض السفر والسياحة “يو.أي.تي.إم” في كييف نوفمبر الماضي، بجناح كامل ضم العديد من الأنشطة التفاعلية والعروض الموسيقية والفنية وتنظيم مجموعة من المسابقات بين الزائرين ومنحهم جوائز تذكارية. ولفت هشام الدميري الرئيس السابق لهيئة تنشيط السياحة إلى أن الفنادق الحكومية والخاصة تقدم تسهيلات ضخمة لمنظمي الرحلات وشركات الطيران في أوكرانيا لتشجيعهم على المجيء إلى شرم الشيخ في ما يتعلق بتكلفة البرنامج السياحي على الوفود الجماعية التي تقترب كثيرا من سعر التكلفة الحقيقية. وقال نقيب السياحيين المصريين باسم حلقة لـ”العرب” إن شرم الشيخ حاليا تستقبل أعدادا كبيرة من السائحين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ما يتطلب سرعة التوسع في إنشاء المزيد من الفنادق والقرى السياحية والمطاعم. وفتحت مصر أسواقا جديدة في شرق وجنوب أوروبا مثل ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا مع زيادة الاعتماد على السياح العرب، خاصة الوافدين من منطقة الخليج العربي على خارطتها السياحية. وأكد مصطفى إسماعيل مدير خدمة النزلاء بأحد الفنادق الكبرى في شرم الشيخ، أن نسبة إشغالات الفنادق الحالية مرتفعة وتبلغ نحو 40 بالمئة للسياح الأوكرانيين، بينما تتوزع النسبة المتبقية بين 20 بالمئة لدول أوروبا الشرقية، والباقي موزع على الألمان والإيطاليين وبعض الدول العربية.
مشاركة :