امتد النقاش والجدل بين الفلسطينيين على مدار ثلاث سنوات حول جديّة الإدارة الأمريكية في طرح مبادرة السلام في الشرق الأوسط المعروفة بـ “صفقة القرن”، وحول الأدوات التي يمتلكها الفلسطينيون، والخيارات المتوفرة لديهم على المستوى الرسمي والحزبي والشعبي لمواجهة “الصفقة” المُخطط لها والمتفق عليها بين إسرائيل وأمريكا لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية. ولا شك أنَّ الفلسطينيين قد بالغوا أشد المبالغة عندما تعاملوا على أساس أنَّ المستويين الرسمي والحزبي يمتلكان أدوات المواجهة لوقف الصفقة الأمريكية وإحباطها، خصوصًا في ظل تردي أوضاعهم الداخلية بفعل الانقسام السياسي والجغرافي الممتد لأكثر من 12 سنة، ولعلاقاتهم المضطربة مع دول الإقليم الناجمة عن عدم استجابتهم وتعاطيهم مع مبادرات إنهاء الإنقسام طيلة هذه السنوات، أو لإصطفاف طرف منهم في محاور خارج النطاق العربي. ففي وقتٍ مبكر، أعلنت رئاسة السلطة الفلسطينية أنَّ جهود الرئيس محمود عباس أحبطت الصفقة الأمريكية، وأن “خُطة السلام” لن تمر دون أنْ تُلبي الحقوق الفلسطينية في الحرية والعودة والاستقلال الوطني.. وأنَّ الفلسطينيين لن يكونوا طرفًا في أيّة تسوية لا تضع حدًا للاحتلال وتُنهيه، وتحقق طموحات الشعب الفلسطيني، وفي المقابل، أعلنت حركة حماس رفضها لـ”صفقة القرن”، وقالت إنها ترفض أيّ حلول وتسويات تنتقص من الحق التاريخي في فلسطين، واعتبرت “خُطة ترامب” فاشلة ولا تُلزم الشعب الفلسطيني، وأنها ستقف سدًا منيعًا في وجهها، غير أنَّ الطرفين، ورغم موقفهما الصريح والواضح، تجاه الخطة الأمريكية الذي تتطلبه الضرورة الوطنية، استدارا إلى واقع الانقسام السياسي من جديد، واحتكما إلى تداعياته، بديلًا عن توحيد جبهتهم الداخلية في مواجهة المخططات التي تستهدف قضيتهم، بل ومصيرهم، فتبادلا الاتهامات حول شراكة كل طرف في “صفقة القرن” ومسؤوليته عما آلت إليه القضية الفلسطينية من تراجع وهوان، فلا تزال السلطة الفلسطينية وحركة فتح ترتهن لاتفاق أوسلو الموقع مع “إسرائيل” في عام 1993، وتتمسك ببنوده بما فيها التنسيق الأمني، رغم تجاوز الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاتفاق والإجهاز عليه برمته، ولا تزال السلطة تفرض عقوباتها ضد سكان قطاع غزة، في المقابل، تُبرم حركة حماس في غزة إتفاقًا للتهدئة مع “إسرائيل” لا يُلبي أدنى الحقوق الفلسطينية، وتنفرد بإدارة القطاع في غياب الوحدة والشراكة السياسية، ورغم اخفاق تجربتها في الحكم منذ سيطرتها العسكرية على القطاع في منتصف عام 2007. اكتفت السلطة والفصائل الفلسطينية بخطاب وشعارات التحشيد، ومواقف وبيانات الإدانة للمخططات التي تستهدف الحقوق الوطنية الفلسطينية، بما فيها الاعتداءات الإسرائيلية اليومية ضد المدنيين والأعيان المدنية والمقدسات المسيحية والإسلامية في الأرض المحتلة دون أن تطوّر أدواتها أوتعتمد مسارًا كفاحيًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته وسياساته المتواصلة، ولم يكن الموقف الفلسطيني في مواجهة “صفقة القرن” أفضل حالًا، حتى في الوقت الذي يلتقي فيه الرئيس الأمريكي “ترمب” برئيس وزراء إسرائيل “نتنياهو” ومنافسه “غانتس” استعدادًا لإطلاق “صفقة القرن”، التي بدأت إجراءاتها العملية مع الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وتقليص المساعدات الأمريكية لوكالة الغوث بهدف تصفية قضية اللاجئين، ووقف المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية تباعًا، بما فيها المساعدات الإغاثية المخصصة لمنظمات المجتمع المدني ومشافي مدينة القدس المحتلة، والموافقة على تعزيز الإستيطان الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية وقراها، وتهويد وأسرلة مدينة القدس. أمام مشهد الإنحياز الأمريكي الواضح والمستمر لمصلحة “إسرائيل” وتصفية الحقوق الفلسطينية عبر “الصفقة” الأمريكية المرتقبة، ينبغي على الفلسطينيين، قيادتهم وأحزابهم وقواهم المجتمعية والسياسية مغادرة مربع المناكفات الداخلية وتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية عبر إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية عاجلًا، بما في ذلك تحمل السلطة الفلسطينية لمسؤوليتها القانونية والإدارية في قطاع غزة، ثم عقد لقاءات على المستوى القيادي الفلسطيني للاتفاق على استراتيجية وطنية كفاحية لمواجهة المخططات الأمريكية- الإسرائيلية، بما فيها تفعيل أداة المقاومة الشعبية المتوافق عليها فلسطينيًا، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس المُجرب والقادر على إفشال المخططات الأمريكية – الإسرائيلية.
مشاركة :