د. عزام شعث يكتب: غزّة تواجه كورونا

  • 8/31/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أنَّ الأمر في غزّة المحاصرة مُختلف هذه المرة، فلم يعد فيروس كورونا بعيدًا عنها، ومحصورًا في مجتمع العائدين إليها من معبري رفح وبيت حانون “إيرز”، وهم الذين عُزلوا أصلًا في مراكز الحجر الصحي التي أقامتها السلطات ضمن الإجراءات الوقائية لمواجهة الوباء ابتداءً من شهر مارس 2020. اليوم، انتشر الفيروس – ولأول مرة – خارج مراكز الحجر الصحي وبين السكان، ولئن بدت أعداد المتوفين والمصابين متواضعة حتى اللحظة، فإن الخشية والقلق من مستقبلٍ أكثر سوءًا تتوزع هنا بين الناس وفي كل مكان، لأنَّ غزّة ضعيفة ومنهكة ومكتظّة، فهي تعاني من ضعفٍ مركب، وتواجه “كورونا” بأدواتٍ بدائية، ولم تعد تتحمل بلاء الاحتلال الذي أصابها على مدى عقود. لا بد أنْ تستحضر هذه الأوضاع الاستثنائية والطارئة أجندة السلطة التي تديرها حركة حماس في غزّة وتوجهاتها في مكافحة “كورونا”، من حيث قدرتها على تتبع الخريطة الوبائيّة وإمكانية السيطرة وضمان عدم انتشار الفيروس في مدن ومخيمات القطاع في ظل ما تعانيه إداراتها ومؤسساتها من ضعف في المنظومة الصحية عمومًا لجهة النقص الشديد في الكادر البشري من أطباء وممرضين واستشاريين، والنقص الشديد في الأدوية والمستهلكات والأجهزة الطبية وأجهزة التنفس والعلاجات التي يحتاجها المرضى والمصابون بالفيروس، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، فضلًا عن النقص في “الكيتات” المطلوبة لإجراء التحاليل للحالات المُشتبه بإصابتها، وليس خافٍ على أحد أنَّ هذا المشهد هو حصيلة سنوات ممتدة من الحصار الإسرائيلي والانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. إنَّ إدارة غزّة التي دخلت في جدلٍ عميق مع السلطة الفلسطينية فور إعلان رئيسها محمود عبّاس حالة الطوارئ في الأرض الفلسطينية مطلع شهر مارس الماضي، أدركت اليوم أهمية وضرورة فرض حالة الطوارئ لتطبيق الإجراءات الوقائية لمواجهة فيروس كورونا وضمان عدم انتشاره في مدن القطاع، وها هي تأخذ بتجربة “الإغلاق الكامل”، وتفرض حظر التجوال في مختلف محافظات القطاع، اقتداءً بالسياسة التي طبقتها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وأثبتت من خلالها قدرات معقولة في مواجهة الفيروس. لكن السؤال الكبير والمنطقي الذي يراود نحو مليوني مواطن في غزّة عن قدرة السلطة التي تُديرها “حماس” على مواجهة “كورونا” ومواجهة الأزمات والمخاطر التي تُحيط بغزّة من كل جانب في ظل ما تعانيه من ضعف ومن انتكاسات في إدارة الشأن العام، وفي ظل إصرارها هي و”فتح” والسلطة الفلسطينية معًا على ديمومة الانقسام دون الالتفات للمصلحة العامة وللتطلعات الوطنية، ثم كيف لأهل غزّة أنْ يواجهوا هذه المخاطر وهم يعانون من أزماتٍ ممتدة من فقرٍ وبطالة وحصار مشدد وعدوان وعقوبات تفرضها السلطة الفلسطينية عليهم منذ أكثر من ثلاث سنوات؟ الأكثر سوءًا أن هذا الوضع يتزامن مع فتح جبهة القتال لتحسين شروط الحياة ورفع الحصار عن غزّة، وهذه لم تُحقق حتى اللحظة أي منجزات رغم جولات التفاوض المستمرة بين الوسيطين المصري والأممي من جهة، والحكومة الإسرائيلية من جهةٍ أخرى، فلم تراع “إسرائيل” الأوضاع الطارئة في غزة وتُصر كما هي العادة على تعنتها ومماطلتها في تطبيق بنود التفاهمات مع الفصائل والقوى الفلسطينية، وقد يؤدي ذلك إلى تأزم الأوضاع مجددًا وتفاقم المعاناة، وقد يجر غزّة إلى مواجهة مفتوحة هي في غنى عنها. يكفي أنْ نقول ونُكرر أخيرًا: إنَّ الأوضاع والظروف الضاغطة والاستثنائية التي يمر بها القطاع، تستوجب التفكير مليًا وبعمق في شأن إعادة الاعتبار للنظام السياسي الفلسطيني وتوحيد أطره؛ لتجنب المأساة وضمان التسوية العاجلة للأزمة الراهنة، بالانطلاق وفورًا في وضع خطة صحية مشتركة، ودعم الفقراء والفئات الضعيفة والمهمشة، ورفع عقوبات السلطة الفلسطينية عن غزّة، والتعامل معها بوصفها واحدة من محافظات الوطن، ويكفي ما عانته من سياسات التمييز والتفرد وانقسام البيئتين القانونية والإدارية على امتداد سنوات القطيعة والخصام، وإلا من تُناجي غزة وأهلها بعد أنْ ضجروا وملّوا من إطلاق المناشدات للسلطة من أجل تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والوطنية، وللمجتمع الدولي من أجل إرغام دولة الاحتلال والضغط عليها لتحمل مسؤولياتها القانونية في قطاع غزّة بوصفها القوة القائمة بالاحتلال.

مشاركة :