المظاهرات إحدى آليات النظام الديمقراطي، وتنص دساتير كثير من الدول على أنها حق للمواطنين يعترضون بها على سياسات الدولة التي تديرها حكومات حزبية، ولها في الدول الديمقراطية نظم تحد من أن تكون حركة فوضوية ضارة، فطلب الإذن من السلطات ضروري، والسلطة تمنحه للأفراد والجماعات، لأن القانون يلزمهم أن تكون ممارستهم لهذا الحق سلميًا، وعلى طالب الإذن أن يحدد مكان المظاهرة، لتقوم الشرطة بحمايتها، هذا عندما كانت المظاهرات وسيلة اعتراض وابداء رأي، والحقيقة التي تبرز اليوم ظاهرة لا يمكن لأحد أن ينكرها -أن جلها- حتى في الدول الديمقراطية تؤول إلى عنف ممارس تواجهه الشرطة بعنف مماثل لفض هذه الجماعات، وقد ينتج عن ذلك من الطرفين أن يتجاوزا الحدود إلى القتل، والصورة لهذه المظاهرات بين الغرب تختلف، فقلما يحدث في الغرب قتل ما يحدث في الشرق من فوضى العنف والذي يكون أحيانًا مخططًا متعمدًا عندما تمارسه جماعات تنظيمها كان أحد آلياته العنف، ومارس العنف من قبل، أو على الأقل ظهر له بعد عن السلمية في الممارسة، ولذا فخسائر المظاهرات في شرقنا لا تحتمل، وأخترع ما أسمي الحشد والذي له وسائل كثيرة ليس من بينها واحدة مشروعة، ففي دول الشرق حيث نسبة الأمية مرتفعة، ونسبة الفقر في أكثرها مرتفعة جدًا فالإغراء المادي أصبح آلية مفضلة، فعن طريق المادة سواء كانت نقودًا أم طعامًا أم خدمات تُجلب لهذه المظاهرات حشود من البشر حتمًا هم لا يؤيدون من دعاهم إليها، بل قد لا يعرفون حقيقة مطالبة إن كانت له مطالب، فما سمي الحشد آلية في الغالب لا تجعل لهذه المظاهرات قيمة، بل قد تجعلها ظاهرة سوء في مجتمعات البشر، وقد تجلب لها فوضى مدمرة، لأن هذه المظاهرات تنقلب من آلية للاعتراض إلى غاية في حد ذاتها، فإذا كان من يحشد لها يستخدم الدين كما ظهر مؤخرًا فيدعى أنها وسيلة نصر للدين، وأن من يقوم بها مجاهد في سبيل الله فالضرر بالغ بالدين، والمجتمع معًا، فهذه المزاعم غير الحقيقية قد تقلب الموازين، فيظهر على الناس طلاب السلطة، ومن يسعون لاستعباد الخلق باسم الدين، إلى أن يفتنوا المجتمعات الآمنة، ويجعلوها في مهب الريح، كما حدث مؤخرًا في ما سمي بالربيع العربي، الذي أتاحت أحداثه المتلاحقة لجماعات موتورة أن تصل إلى سدة الحكم، فتنطلق في انتقام مدمر من كل أجهزة الدولة والعاملين فيها، بل ومن الشعوب، بدعوى أن الدولة ظلمتهم حينما تعاملت معهم أمنيًا في الماضي ممثلة في الحكومات التي سقطت مع حراك الربيع العربي، وممثله في الشعوب التي بزعمهم لم تعترض على ظلمهم، وفي زمن يسير كادت دول أن تسقط تمامًا، وأن يجد دعاة التقسيم في الغرب الفرصة سانحة للقيام بما خطط له في سهولة لم يحلموا بها قط، وما نراه اليوم ماثلًا لكل ذي نظر في البلدان التي تسلل إلى العمل السياسي فيها -جماعات هي في الأصل مكفرة تنتهج العنف وسيلة للإقناع، وتفشل على مدى زمن طويل، ولما حدثت هذه الظاهرة المسماة الربيع العربي وجدت فرصة سانحة لممارسة ما خططوا له منذ زمن طويل وألبسوه رداء دينيًا ليخدعوا به عامة الناس أنهم حماة الدين والساعون لتطبيق أحكامه، وأنهم الجماعة التي ستقيم الخلافة الإسلامية، في هذا العصر، ولعل الله عزوجل الرحيم بعباده أراد كشف سواءات القوم، فيرى الناس أنهم طلاب سلطة وليسوا ثوارًا من أجل تطبيق أحكام الإسلام، وأظهر للخلق فهمهم الخاطئ للإسلام أحكامه وقواعده ومقاصده، فهم وكل ذلك في واد والإسلام حقيقة في واد آخر يبعد عن الأول مسافة كبيرة، وأظهر للناس أن كل ما أدعوه ثبت بطلانه فقد سعوا إلى الناس عن طريق تأييد الديمقراطية، وهم لا يقيمون لها وزنًا، فما إن قعدوا على كراسي الحكم، حتى أقصوا كل الكفاءات الوطنية واستبدوا بشؤون الحكم والحياة، ونشطوا في اكتساب الثروة من كل باب دون تفكير في ما هو مشروع مباح، وما هو غير مشروع أو محرم، والسلطة لها إغراءاتها التي لا يخلص منها سوى الأتقياء من البشر المخلصين لربهم ثم لأوطانهم، أما من لا يرون في الوطن سوى مكان للإقامة، قد يستغنون عنه في أي لحظة لأنهم يتصورون أن وطنهم يتسع ليشمل أجزاء كثيرة من العالم ما دام فيها مسلمون، ولذا هم قد زرعوا لهم في كثير من أوطان العرب والمسلمين خلايا تنشط حينًا وتغفوا أحيانًا، لأنهم يتصورون أنهم يستطيعون هدم كل الأنظمة، والحكومات ليحققوا أمبراطوريتهم التي يحلمون، وحتمًا أن دولة الإسلام لا تقوم بمخالفة أحكامه من إشاعة الفوضى في عالمنا العربي والإسلامي على هذه الصورة التي نراها اليوم بشعة في بعض أوطان العرب، فهل يعلم هؤلاء هذا، هو ما نرجو والله ولي التوفيق. alshareef_a2005@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (15) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :