كتب - نشأت أمين: حثّ الشيخ عبد الله محمد النعمة المُسلمين على التحلي بمكارم الأخلاق، والتأسي في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وخصوصًا خلق العفو والصفح عن المُسيئين، مؤكدًا أن العفو من أعظم صفات العظماء. وقال، في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، إن الناس يتفاوتون في حسن الأخلاق ومكارمها، وفي الإحسان وجميل السجايا والخصال. وشدّد على أن العفو عن المُسيء في أمر المعاش وعن المقصر في أدب الصحبة وحقوق المخالطة والتجافي عن هفوته والتغافل عن عثرته واحتمال سقطته من أجلّ الصفات وأنبل الخصال٬ واستشهد بجملة من الآيات الكريمة في هذا المعنى. وأوضح فضيلته أن الله شرّع العدل وهو القصاص وندب إلى الفضل وهو العفو، مبينًا أن إبراهيم النخعي رحمه الله قال: "كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا"، مبينًا أن العفو أقرب إلى التقوى والصفح أكرم في العقبى والتجاوز أحسن في الذكرى". واستدلّ بالحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه"، وروي عن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عقبة.. ألا أخبرك بأفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك أخرجه أحمد. وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما: أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال وهو على المنبر: ارحموا تُرحموا، واغفروا يغفر الله لكم أخرجه أحمد. وأكد النعمة أن الصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة، مرتبةٌ عاليةٌ وخصلةٌ شريفةٌ لا يقدر عليها إلا الصابرون المهتدون الموفقون، مستشهدًا بقول الله جلّ في علاه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). وأشار إلى أن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا صخَّابٍ في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح". وروي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمة إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيءٌ قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عز وجل). وأوصى النعمة بالتحلي بالعفو عند المقدرة، مؤكدًا أن العفو من أعظم صفات العظماء. ونبّه إلى أمر مهم هو أنه في مجال تنفيذ أوامر الله عز وجل وفي الحقوق الشرعية، لا سبيل إلى أخذ أو عطاء، لأنها أمور ليست من حق العباد، ولا يملكها بشر. واستدرك مبينًا أن الصفح والعفو مطلوب في الأمور التي يملكها البشر. وطالب بالاستجابة لمن أخطأ في حقوقنا، واعتذر وطلب الصفح والمغفرة، كما نحب أن يعفو الله عنا ويغفر لنا عندما نقف بين يديه يوم القيامة. وجدّد خطيب جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب التأكيد على أنه لا عافية ولا راحة ولا سعادة إلا بسلامة القلب من وساوس الضغينة والغل ونيران العداوة والحقد. وقال إن من أمسك في قلبه عداوة وتربّص الفرصة للنقمة وأضمر الشر لمن أساء إليه تكدّر عيشه واضطربت نفسه ووهن جسده وأُكِلَ عِرْضُه، موضحًا أن العافية في التغاضي والتغافل، مستدلاً بقول القائل: (في إغضائك راحة أعضائك)، وقول أحد الحكماء : (الأديب العاقل هو الفطن المتغافل). وروى النعمة أنه قيل للإمام أحمد، رحمه الله تعالى: (العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، فقال: العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل). وردد قول الإمام الشافعي، رحمه الله: لما عفوت ولم أحقد على أحد : أرحت نفسي من هم العداوات وخاطب النعمة المصلين قائلاً: "تعافوا بينكم وتجاوزوا عمن أساء إليكم ابتغاءً لوجه الله تعالى ورغبةً في ثواب العفو وجزاء الصفح، واخرجوا من ضيق المناقشة إلى فسحة المسامحة، ومن المعاسرة إلى سهولة المعاشرة، واطووا بساط التقاطع والوحشة وصلوا حبل الأخوة، وروموا أسباب المودة واقبلوا المعذرة؛ فإن قبول المعذرة من محاسن الشيم، وإذا قدرتم على المسيء فاجعلوا العفو عنه شكرًا لله سبحانه وتعالى". وروى خطيب جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قوله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: اعفُ عنه كل يوم سبعين مرة. وأشار إلى علو ورقي الشريعة الإسلامية في التعامل مع الخدم، داعيًا إلى إحسان التعامل مع الجميع مهما كانت درجاتهم ومستوياتهم. ونبّه على أهمية العفو والصفح وحسن معاملة الأقارب والأهل، وقال: كم رأينا بين الأزواج والإخوان والأقارب والجيران من المحن والإحن، والفتن والدخن، والدعاوى والخصومات، ومضادة ومحادة، ونفرة، وشر وفتنة حتى شاع الطلاق وكثرت القطيعة، وتصرمت أواصر القربى. وأكد أن المسلم مطالب بمراعاة حق القربة والرحم والجوار، والكف عن المنازعة والقطيعة. ونصح بعلاج الأمور بما هو لشمل القرابة أجمع، ولطريق الفرقة أقطع، وبمقابلة الإساءة بالإحسان. وعرض النعمة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأقارب الذين لا نرضى عن أعمالهم، راويًا أن أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: إن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك، وأوضح أن معنى: فكأنما تسفهم الملَّ؛ أي فكأنما تطعمهم الرماد الحار.
مشاركة :