محنة البحث عن هوية في «عرب يرقصون»

  • 5/30/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعرض في صالات مونتريال في كندا، فيلم «عرب يرقصون» او «ابني» (درامي - 105 دقائق) للمخرج الاسرائيلي عيران ريكليس، الذي سبق وحقق شرائط «عربية»/إسرائيلية. وهو انتاج سينمائي اسرائيلي فرنسي الماني مشترك. ويستوحي قصته من كتابين لسايد قشوع الكاتب والصحافي اليساري من فلسطينيي 48. والفيلم يعبر عن الواقع اليومي المأسوي لعرب إسرائيل. ينطلق الفيلم من خلفية تاريخية وسياسية وأمنية ارخت بأثقالها على بطل القصة اياد (توفيق برهوم) وعائلته. فهذا الطفل العربي الفلسطيني ابن قرية الطيرة في شمال اسرئيل المعروف بـ» بالمثلث»، ينشأ ويترعرع في ظل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 ويعاصر في مراهقته حرب الخليج الاولى عام 1991 (احتلال العراق للكويت). بين عالمين كانت رغبة ابو أياد (علي سليمان احد ابطال مقاومة الاحتلال) ان يكمل تعليم ابنه، وأن يجد له مكاناً في المجتمع الاسرائيلي، و «حياة افضل وأحسن من اليهود». تتحقق رغبة الوالد ويحظى أياد، لذكائه وتفوقه، بمنحة دراسية من مدرسة يهودية داخلية مرموقة في القدس. وهي مخصصة لأبناء النخبة من اليهود من دون غيرهم. فكان أياد اول طالب عربي فلسطيني يسجل فيها كسابقة تاريخية لم تحدث من قبل. هنا يخوض اياد اول تجربة بمفرده بعيداً من عائلته ومحيطه. ويواجه مشاكل هائلة تتعلق باللغة والثقافة والهوية والانتماء. ويتابعه الفيلم في رحلة تضج بالتناقضات. فينتقل من الف باء العلم الى رحاب المعرفة، ومن قرية صغيرة الى مدينة كبيرة، ومن محيط عربي الى غالبية اسرائيلية، ومن لغته العربية الى العبرية، ومن كنف عائلته الفلسطينية الى ارتباط بعائلة يهودية وصولاً الى قناعته بالاندماج والتخلي عن هويته الاصلية ليتمكن من مواصلة نجاحه في المجتمع الاسرائيلي. في غمرة هذه النقلة التعليمية، يشعر أياد أنه دخيل وغريب ومنبوذ ومختلف عن رفاق صفه. يرغم على التحدث بعبرية لا يجيدها، ويقع الاختيارعليه لتلاوة التوراة وتشويه حقيقة الصراع العربي - الاسرائيلي إمعاناً بإهانته وإذلاله امام رفاقه ومعلميه. ولأجل ان يتخلص من كل ذلك ويكون مقبولاً بينهم ومتساوياً معهم بالحقوق، عليه أن ينسى كل ما يمت بصلة الى جذوره الفلسطينية ويتنكر لانتمائه ويتخلى عن هويته لمصلحة اسرائيل. ومع كل هذه الإرهاصات يحاول الفتى جاهداً ان يتلاءم ويتطور مع واقعه الجديد. فينشئ علاقة صداقة وثيقة مع رفيقه (جوناثان المريض المقعد على كرسي متحرك) فيلازمه في المنزل ويقدم له ما يحتاج من خدمات. وفي هذا المشهد الدرامي تتماهى إعاقة جوناثان الجسدية مع اعاقة أياد الاجتماعية - الثقافية. ويتابع أياد تنكره لهويته ويتعرف الى إحدى زميلاته (نعومي) ويقع في حبها وتنشأ بينهما علاقة عاطفية سرية تنتهي بتخلي نعومي عنه لدواعٍ عنصرية. كما تحتضنه (أدنا) والدة جوناثان ويصبح بعد وفاة هذا الأخير الإبن الثاني للعائلة يحمل اسمه وبطاقته تحاشياً لتعرضه للتفتيش على الحواجز الاسرائيلية. أما المشهد السوريالي المثير للجدل في هذا السياق فهو دفن جوناثان في إحدى المقابر الاسلامية. التعايش المستحيل يتضمن الفيلم العديد من الإشارات التي تكشف العنصرية الاسرائيلية. فخلال مرافقة أياد لصديقته نعومي في احد شوارع القدس يتعرض لإهانة المارة والجنود، ويوجهون اليه رسائل تحذير مفادها «لا تحلم أيها العربي بفتاة اسرائيلية». والأمر ذاته يتكرر حين يعمل أياد في احد المطاعم الاسرائيلية ويطلب ترقيته من خادم في المطبخ الى نادل اسوة بالاسرائيليين. وهذه النماذج من المعاملة السيئة للفلسطينيين تسود جميع المرافق الاسرائيلية وتعكس الهرمية العرقية للدولة اليهودية. وخلال تطور الأحداث يمر الفيلم على مشاهد من حرب العراق. ويركز على اصطفاف الفلسطينيين على اسطح المنازل حيث يهللون ويكبرون لسقوط بعض الصواريخ الصدامية على اسرائيل. ولا غرو اذا ما اتى عنوان الفيلم متماهياً مع هذا الواقع بكل ما يحمل من سخرية. باختصار يعبّر الفيلم كما يعتقد المخرج عن رغبته في امكانية تحقيق نوع من التعايس السلمي بين الفلسطينيين والاسرائيليين. وفي الوقت نفسه يرى ان المواقف المتطرفة من كلا الفريقين تحول دون تحقيق ذلك. ويرى الناقد الكندي ايف بنوا ان الفيلم يلمح الى حق كل انسان في عدم اخفاء هويته او التنازل عنها، ولكنه يبرر ايضاً ما يفرض على الأقليات من قيود لتبقى مقبولة الى جانب الغالبية الحاكمة. وهذا ما يجعل الفيلم «مثيراً للجدل» بل عنصرياً إذ يخيّر الفلسطينيين بين البقاء مواطنين درجة ثانية او ثالثة او التحول الى ارهابيين محتملين او ارغامهم على الهجرة.

مشاركة :