يؤدي تطور صناعة صناديق التحوط بسرعة متزايدة، الذي يترافق مع تغييرات في هياكلها الداخلية ومراكزها الجغرافية، إلى تنامي التوقعات بعام آخر من الازدهار. ولكن الأهم إعادة صياغة عدد من المفاهيم الأساسية والمحددات الرئيسة لصناعة تقدر أصولها الإجمالية بأكثر من 3.5 تريليون دولار. أحد أبرز الأسباب التي تدفع كثيرا من المراقبين إلى التفاؤل بشأن وضع صناديق التحوط، يعود في الأساس إلى انخفاض أسعار الفائدة، والأوضاع الإيجابية في سوق الأسهم في الوقت ذاته. انخفاض أسعار الفائدة سيكون واحدا من عوامل الجذب التي ستدفع كبار المستثمرين لضخ أموالهم في صناديق التحوط، ومن أبرز هؤلاء المستثمرين صناديق التقاعد التي يتوقع أن تزيد مخصصاتها الاستثمارية في تلك الصناديق خلال هذا العام بسبب انخفاض أسعار الفائدة المصرفية، ومن ثم ستبحث عن قنوات استثمارية أخرى، تمنحها عوائد مالية أعلى، مقارنة بما ستحصل عليه من إيداع أموالها في البنوك. لكن تلك الجاذبية لا تنفي أن صناديق التحوط تمر بعدد من التحديات الراهنة، وأن الجهود متواصلة للبحث عن استراتيجية جديدة وملائمة لمواجهة تلك التحديات والتعامل معها، لضمان استمرار قدرتها على جذب المستثمرين وتعظيم المنفعة من المزايا الاقتصادية المتاحة في الأسواق حاليا. حول تلك التحديات يعلق لـ"الاقتصادية" إندروا جاك الخبير الاستثماري في ليون جايت كابيتال مانجمينت قائلا " الاتجاهان الرئيسان لصياغة مستقبل صناديق التحوط يرتبطان بتنامي الابتكار التكنولوجي، والآخر يتعلق بزيادة التركيز الدولي على التحديات البيئية والاجتماعية، هذان الاتجاهان سيؤثران في شكل صناديق التحوط". ويضيف "صناديق التحوط تتحول حاليا من المنتجات التي يقودها رؤساء صناديق التحوط إلى الحلول التي يطرحها المستثمر ذاته، ففي مواجهة ما يعرف اقتصاديا بسوق المشتري، تتجه صناديق التحوط إلى إقامة شراكة أعمق مع المستثمرين عبر تقديم خدمات استشارية ذات قيمة، وهذا يوجد سوقا أكثر ازدحاما". هذه السوق الأكثر ازدحاما تنشئ تلقائيا وضعا اقتصاديا أكثر تعقيدا وارتباكا لمتخذ القرار في صناديق التحوط، بحيث يصبح من الصعب على الخبرات البشرية اتخاذ القرار الاستثماري بمفردها، نظرا لوجود عديد من المؤشرات المتناقضة والمتضاربة في الوقت ذاته، ويعزز هذا الوضع الجيد للأسواق دور الأدوات الإحصائية والحسابية المتطورة، ويجبر صناديق التحوط على إعادة تقييم أنماط الأداء وانواع الاستثمار. في هذا الإطار يعتقد كلارك واتس الخبير المصرفي، أن التكنولوجيا باتت أكثر ضرورة لصناديق التحوط لتحليل مجموعات البيانات المتاحة بسهولة أكبر. ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن التقديرات الأولية تشير إلى أن إجمالي الاستثمار التكنولوجي لصناديق التحوط لتطوير قدراتها التحليلية سيراوح بين 5 - 12 مليار دولار، متوقعا أن يشهد هذا العقد أشكالا مستحدثة من التعليم الآلي لصناديق التحوط، للمحافظة على محافظ استثمارية مربحة، وللحد من المخاطر وتحقيق أقصى قدر من العوائد. لكن هذا التوجه التكنولوجي، إذا جاز التعبير، يجعل بعض كبار المسؤولين في صناديق التحوط البريطانية، أكثر ثقة بأن صناديقهم ستعمل على تكثيف جهودها لجذب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، فالبيئة التنافسية المتزايدة، تجعل الابتكار عنصرا أساسيا لنجاح أي صندوق تحوط، فانخفاض العوائد الاستثمارية، يجعل من الضروري الاستثمار بكثافة في رأس المال البشري لضمان النجاح. وتلك التحديات وعلى الرغم من أهميتها تمثل من وجهة نظر الخبراء الاستثماريين أحد وجهي العملة. فالتحدي الرئيس بالنسبة للبعض يكمن في قدرة صناديق التحوط في رفع متوسط العائد العام للمستثمرين، في ظل الظروف الاقتصادية الدولية. وتعتقد باميلا كوبر المدير التنفيذي لوحدة الاستثمارات المالية في وينتون جروب، أن الأداء القوي لصناديق التحوط، يمكن أن يحقق متوسط عائد صافي يقدر ما بين 9 - 12 في المائة هذا العام بعد خصم الرسوم، شريطة أن تتسم المحافظ الاستثمارية بالتنوع، والأخذ في الاعتبار عدم اليقين السائد في الجيو- سياسة العالمية، والسياسة النقدية الأكثر تشددا من جانب البنوك المركزية على الصعيد الدولي. وتقول لـ"الاقتصادية": سحب المستثمرون 98 مليار دولار من صناديق التحوط العام الماضي، وهي أكبر تدفقات خارجية في ثلاثة أعوام، لكن هذا لا يشير إلى تراجع شعبية صناديق التحوط. وتضيف" بعض المستثمرين خفضوا مخصصاتهم لفئة الأصول بشكل عام، لكن أصول صناديق التحوط ستواصل الارتفاع وسط عوائد قوية، وإجمالي أصول صناديق التحوط على المستوى العالمي تتجاوز حاليا 3.5 تريليون دولار". وتغلب على الأسواق حاليا توقعات بأن يسعى كبار المديرين في صناديق التحوط في التغلب على أي أوضاع اقتصادية سلبية عبر مزيد من الاندماج، وخاصة أن صناديق التحوط الرئيسة تواصل جذب رؤوس الأموال، أو تعاني عمليات تدفق خارجية أقل من المتوسط، وربما يكون السبب وراء ذلك رغبة المستثمرين في التركيز على مزيد من التخصص الاستثماري. لكن عديد من الخبراء يعتقد أن قضية العوائد المحققة في صناديق التحوط سترتبط بتنامي المنافسة الجغرافية في تلك الصناعة، في ظل منافسة محتدمة بين صناديق التحوط في الولايات المتحدة ونظيرتها الآسيوية خاصة في الأسواق الناشئة مثل الصين. من جهته، يعتقد الدكتور جوردن ريك أستاذ الأنظمة الاستثمارية في جامعة ريد، أن ملامح المنافسة أخذت في التبلور من العام الماضي، فبالنسبة لكثير من صناديق التحوط في آسيا كان عام 2019 عاما جيدا، إذ إن نحو 73 في المائة من الصناديق التي تتخذ من آسيا مقرا لها، حققت أرباحا العام الماضي، كما أنها لم تتعرض لذات الضغوط التي تعرضت لها نظيرتها في أوروبا والولايات المتحدة، التي دفعت بعضها إلى خفض الرسوم في وقت ارتفعت فيه التكاليف التنظيمية وتكاليف التشغيل. ويقول لـ"الاقتصادية"، "ارتفع مؤشر صندوق التحوط الآسيوي بنسبة 10 في المائة تقريبا العام الماضي، متجاوزا نسبة 8.7 في المائة التي حققها عام 2018". ويرجع الدكتور جوردن ريك هذا التحسن، إلى التحركات التي تشهدها الصين، وأبرزها التغيرات الجارية في النظام المالي المحلي، واتخاذ السلطات الرسمية إجراءات ملموسة تعزز فتح الأسواق المالية أمام رأس المال الأجنبي، وتطوير المواهب المتاحة لدى المديرين، وتحسين أداء البنية التحتية للاستثمار، وجميعها عوامل تمنح الصين على وجه التحديد جاذبية خاصة للمستثمرين الأجانب وتحديدا صناديق التحوط.
مشاركة :