في حالة فنية نادرة الحدوث جمعت صالة “السيد للفنون التشكيلية” بدمشق بين الفن الصوفي والتشكيلي في مكان يحمل خصوصية محددة هو خان أسعد باشا في قلب دمشق القديمة، حيث أقيمت حضرة لتكية دمشق بمرافقة عدد من الفنانين التشكيليين هم: عصام الشاطر، ياسر خطار، عبدالله عبدالسلام، إيهاب حذيفة، نهى جبارة وأيمن فضة الذين رسموا ما قدّمته الحضرة على المسرح مباشرة، وقد التقت في المكان مجموعة من المبدعين في فن المولوية مع مجموعة من الفنانين التشكيليين ليشكّلوا معا عبر الصوت والرقص والرسم “رسائل روحانية”. عن أسباب إقامة هذه الاحتفالية وأصل الفكرة، قالت المسؤولة عن الصالة والحدث لينا السيد لـ”العرب”، إن “الصوفية حالة فنية راقية جميلة ونقية، وهي حاضرة في حياتنا اليومية بأشكال عديدة، فكرنا أنه لا بد من استثمار وجودها بأكثر من كونها تراثا جميلا، فتعاملنا مع فرقة رباعي دمشق للنشيد وتكية دمشق للمولوية وكأننا نُرسل رسائل روحانية من خلالهما لذواتنا، نحن الذين نعيش عصرا صاخبا بالأحداث والمتغيرات والمخاطر، علّنا نصل بهما ومعهما إلى المزيد من النقاء الروحي الذي تعملان عليه”. وعن صيغة التعاون بين التشكيليين وأصحاب المولوية وكيفية الجمع بينهما تقول “أصحاب فن المولوية تربطني بهم صداقة قديمة، وهم أناس يقدّمون إبداعاتهم بكثير من الود والتفاني لمن يريد، أما التشكيليون فهم متأثرون بالمولوية ويتابعون نشاطاتهم بشغف، لذلك كان الوصل بينهما سهلا. وكانت هذه النتيجة الجميلة”. وتؤكد لينا السيد أن ما أقيم في الخامس والعشرين من يناير هو فاتحة لورشة عمل تستمر حتى الثاني عشر من شهر فبراير القادم تحت عنوان “ورشة عمل للرسم المباشر”. الفنانون رسموا لوحات بينوا فيها المنشدين أو أجواءهم من رقص وضوء وغيرها، وقدموا ما هو مكمل لفن المولوية شيخ تكية دمشق للمولوية فائق المولوي الذي شارك في تقديمها بحركاته الرصينة الواثقة، يقول لـ”العرب” حول فكرة تماهي فن المولوية مع الفن التشكيلي في مكان واحد “لنا منظور خاص للفن، يعرفه الجميع، ونهتم بأن نكون في الحالات الإنسانية الصادقة والمبدعة، لا ضير في أن نجتمع مع فنانين تشكيليين في حضرة واحدة، هم فنانون لهم عملهم الذي يعرفونه وهم متميزون فيه، ولنا فننا الذي نعرفه ونتميز فيه”. ويضيف “هذا الزواج الفني قدّم فنا راقيا بعيدا عن الإسفاف والانحدار. الفنانون رسموا لوحات بينوا فيها المنشدين أو أجواءهم من رقص وضوء وغيرها، وقدموا ما هو مكمل لفن المولوية. ليس الأمر شعارات قديمة مهترئة، بل تقديم ما ينفع الناس بأسلوب إبداعي طاهر وجديد”. وبدورهم فالفنانون المشاركون رسموا في الورشة العديد من اللوحات وسط تفاعل تلقائي مع الناس، وكانت النتيجة العديد من الأعمال التي حملت إبداعا إنسانيا جمع بين فن يُعنى أساسا بما هو صوتي ممثلا في الغناء الصوفي، وآخر تشيكلي يقوم في جوهره على العنصر البصري. ويحتفي أتباع المولوية بها من خلال تقديمهم لها في المساجد والتكايا ويسمون العرض الحضرة أو الفتلة. ويحضرها جمع من الناس للتبرّك بها أو رغبة في الاستمتاع بما يقدّمونه من تواشيح دينية راقية. فبعد أن يبدأ عزف الناي الشجي ونقرات الدف البسيطة وهما الآلتان الوحيدتان المسموح بهما. يبدأ الوشّاحون بالغناء ثم يبدأ الدروايش والصوفيون بالدوران بعد أن ينالوا الإذن من شيخ الطريقة أو التكية الذي يكون بينهم، ويتميز بأنه يضع على طربوشه عمامة خضراء. ويكون الدوران بعكس عقارب الساعة. وللدوران عند أهل المولوية معنى خاص. فهم ينطلقون من مسلّمة وجود الدوران في الكون كله، فالكواكب تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض والأرض تدور حول نفسها والحجّاج يدورون حول الكعبة، لذلك يبدأ هؤلاء بالدوران بحركة بطيئة مع الغناء والموسيقى الخاصة، ثم لا تلبث هذه الحالة أن تتصاعد حتى تصل إلى درجات عالية بالغة الصفاء والوجد يحلّقون فيها حتى يصلوا إلى مراتب عليا في التواصل مع الإله وصولا إلى الحب المطلق معه.
مشاركة :