طوى التاريخ آخر صفحة في حياة أسطورة نادي الهلال والنجم الدولي السابق مبارك عبدالكريم «رحمه الله» فجر الأحد الماضي بعد معاناة طويلة مع المرض عن عمر يناهز (83 عاماً) خدم فيها الحركة الرياضية السعودية من خلال أربعة أندية بجانب المنتخب الأول. كان الكابتن مبارك موهبة كروية فذة وسيرة تاريخية رياضية عريقة امتدت جذورها على مدى 67 عاماً بدايتها في سن مبكرة من حياته في الـ 17 من عمره حارساً لفريق أهلي الرياض (الرياض حالياً) في بدايات النادي التأسيسية وصادق على هذه المعلومة مؤسس نادي الرياض الشيخ عبدالله الزير «رحمه الله» في مقابلة أجريتها معه ونشرتها جريدة الرياض أكد فيها أن تأسيسه لناديه جاء بمساعدة عدد من الأشخاص ذكر منهم اسم مبارك عبدالكريم. علاقة تاريخية مع ابن سعيد بروزه في حراسة المرمى دفع مؤسس نادي الشباب ورئيسه آنذاك الشيخ عبدالرحمن بن سعيد «رحمه الله» إلى إغراء مبارك بالانتقال لصفوف الشباب فلم يمانع ومن هنا كانت بداية العلاقة التاريخية بينهما العام 1375هـ. وحين قدم عبدالرحمن بن سعيد استقالته من رئاسة الشباب كان مبارك أول اللاعبين الذين قرروا ترك الشباب والخروج مع ابن سعيد الذي أسس بعد ذلك النادي الأولمبي (الهلال حالياً) فدخل التاريخ الأزرق من أوسع أبوابه بعدة أوليات بدايتها أنه أول حارس مرمى في تاريخ الهلال وبعد عامين التحق الحارس ناصر بن موزان «رحمه الله» بالهلال عام 1379هـ فقرر ابن سعيد وكان يرأس ويدرب الفريق آنذاك نقل مبارك عبدالكريم لمركز الهجوم بنظرة فنية فاحصة لمس من خلالها مهارة (ابو البرك) التهديفية وذكائه في الملعب فكان القرار صائباً وحقق في هذا المركز نجاحاً باهراً عزز قوة الهلال الهجومية. ارتدى شعار الأهلي تخلل تلك الفترة تولي عبدالرحمن بن سعيد رئاسة الثغر (الأهلي حالياً) لعامين عالج فيهما معاناة الأهلي من فراغ إداري كبير ونقص في عدد لاعبيه، وهو ما دفع (أبو مساعد) للاستعانة بخدمات بعض لاعبي الهلال لسد النقص وتدعيم صفوف الأهلي في مبارياته وكان ذلك قبل التسجيل الرسمي للأندية وكان مبارك أحد هؤلاء اللاعبين الهلاليين الذين ارتدوا شعار الأهلي. أول لاعب يحمل كأس الملك كان مبارك عبدالكريم «رحمه الله» أبرز صناع المجد الهلالي الأول بعد مؤسس النادي عبدالرحمن بن سعيد ودخل التاريخ مرة أخرى كأول كابتن هلالي يصافح المجد الأزرق بكأس الملك مرتين الأولى العام 1381هـ أمام الوحدة بطل المسابقة في نسختها الأولى العام 1377هـ. كابتن الكأسين يومها فاز الهلال بثلاثية تاريخية وهو أول نهائي كأس للملك يقام في الرياض بملعب الصائغ ويتوج به أحد أندية العاصمة بعد أربع سنوات فقط من تأسيسه ليصبح الهلال أول نادي ينال هذا الشرف التاريخي –الزمني- غير المسبوق ومن يومها ومبارك صديق دائم لمنصات البطولات إذ عاد للصعود إليها مرة أخرى في العام 1384هـ ككابتن للهلال بطل كاس الملك وولي العهد معاً في موسم واحد كأول نادٍ في الرياض يحقق هذا الإنجاز وثاني نادٍ على مستوى المملكة بعد الاتحاد الذي جمع اللقبين معاً في موسم 1383هـ. تقلد شارة المنتخب تمثل تلك الإنجازات أول ثلاث بطولات هلالية في قائمة الـ 59 بطولة اليوم. وفي تلك الفترة اختير مبارك لتمثيل المنتخب السعودي في دورة الجانيفو الدولية بإندونيسيا التي جمعت عدداً من منتخبات القارات العام 1963هـ وتقلد العبدالكريم شارة قيادة المنتخب في إحدى مبارياته. آخر لاعب بقي على قيد الحياة من أول جيل مثّل الهلال بائع المنجرة دخل التاريخ «الأزرق» بأروع تضحية سجل 100 هدف وسجل هدفاً بمرمى منتخب الأرجنتين ضمن 100 هدف أحرزها مبارك في مشواره الكروي طبقاً لسجلات رائد الحركة التأسيسية للرياضة في المنطقة الوسطى الشيخ عبدالرحمن بن سعيد «رحمه الله». وأغلى تلك الأهداف الهلالية كانت في شباك عميد الأندية السعودية بنهائي كأس الملك العام 1384هـ وكان الاتحاد متقدماً بهدف حتى الدقيقة 85 تقريباً واحتسب خطأ لصالح الهلال خارج المنطقة تصدى له مبارك بنجاح محرزاً إصابة التعادل بذكاء ودهاء كبير حين استغل قصر قامة أحد لاعبي الاتحاد في حائط الصد (كعدور) وسدد الكرة بدقة واتقان لتعبر من فوق رأس كعدور إلى الزاوية البعيدة وسط محاولات يائسة لحارس العميد العملاق عبدالجليل كيال «رحمه الله» وحسمت ركلات الترجيح الكأس للهلال بنتيجة 3/1 سجل مبارك إحداها بجانب زميله سلطان بن مناحي «رحمه الله» فيما أهدر الثالثة سليمان مطر (الكبش) وفي المقابل أهدر الاتحاديون ركلاتهم الثلاث. أفضل لاعب مر على الهلال لقد حبا الله مبارك بذكاء فطري وشخصية قيادية بجانب أدائه الرفيع وفكره الكروي وكانت له كلمه نافذة وسط زملائه اللاعبين كما كان ذا تأثير معنوي كبير على جماهير ناديه الذين كانوا يطمئنون على فريقهم حين يشاهدون مبارك يتقدم زملاءه في الملعب وتلك المقومات بجانب البطولات الثلاث التي حققها الهلال بصعوبة بالغة أمام الوحدة والاتحاد تحت قيادته تجعله افضل كابتن مر على نادي الهلال في تاريخه. وذات يوم سألت مجلة اليمامة مؤسس الهلال عن أفضل لاعب مر على ناديه فأجاب بلا تردد: مبارك عبدالكريم «رحمهما الله». رمز في الوفاء والتضحية تلك كانت أبرز الملامح المضيئة في مشوار مبارك داخل الملاعب. أما خارجه فيذكر التاريخ قصة وفائه مع ناديه الذي مر بضائقة مالية أثناء الفترة الحرة التي تسمح للاعبي الأندية بالانتقال دون قيد أو شرط مطلع موسم 1383هـ وهو ما اضطر مبارك للتضحية بمصدر قوته الوحيد (منجرة) كان يملكها بمشاركة خالد السقا والد المذيع الراحل محمد السقا «رحمهم الله» وباع نصيبه منها بمبلغ سبعة آلاف ريال وقدمه لرئيس النادي آنذاك ليغري فيها أكثر من لاعب للبقاء في كشوفات الهلال. نهاية مشوار إيقونة الهلال أما نهاية مشوار هذا النجم الكبير فقد كانت في مطلع التسعينيات الهجرية نتيجة أكثر من إصابة أجبرته على توديع الكرة وأقام له النادي حفل اعتزال كبير أقيم في ملعب الصائغ العام 1393هـ بمشاركة فريقيه الشباب والهلال. نسيته الإدارة الهلالية وتذكره التاريخ! اليوم رحل الرمز الهلالي مبارك عبدالكريم تاركاً وراءه سمعة عطرة وتضحيات لن ينساها التاريخ وأن نسيته إدارة هلال اليوم للأسف! رحم الله النجم الأسطوري الكبير رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. مبارك عبدالكريم متوجاً بأول كأس للملك 1381هـ في صورة نادرة تنشر لأول مرة أهداها لزميله اللاعب فهد بن بداح. مبارك مع زملائه اللاعبين ورئيس النادي عبدالرحمن بن سعيد ونائبه تركي السديري ومدير الفريق مساعد المبروك «رحمهم الله» 1384هـ. مبارك «الثاني من اليمين وقوفاً» مع المنتخب الذي مثل المملكة في دورة الجانيفو 1963م المنزل «المستأجر» الذي سكنه مبارك عبدالكريم «رحمه الله» في آخر حياته
مشاركة :