حين يتغلغل الجهل حد التمكن يصبح العقل خالياً وفارغاً بشكل مخيف، ذلك أن مساحة الفراغ تصبح تربة خصبة لبذور تنمو نباتاً في سرعة قياسية، لتطرح ثمراً ملغوماً، هذا النبات الذي يأخذ دورة النماء الطبيعي ويستغرق مداه الوقتي، إلا أن الشجر كما لا يخفى ليس كله طيباً، وثمره الذي يجنى ليس جميعه صالحاً، بل إن هناك شجرا خبيثا نبت بعد أن وضعت بذوره السامة في بيئة خصبة وحظي بالرعاية والسقاية والاعتناء هذه البيئة ترعاه أذرعة الشر لينتج الثمر، بيد أنه ثمر مر كالعلقم، شكله سيء، وضرره بين، وأثره خطير، وماذا ينتظر من الشجر الشيطاني إلا الثمر القاتل المفضي إلى الهلاك؟! وقد قيل (إنك لن تجني من الشوك العنب). وعجيب أمر هذا الإنسان تخلق له الأرض لعمارتها، وتهيأ له الحياة لصونها ورعايتها، فيأبى إلا أن يدمر الأرض ويسحقها ويؤذي الحياة ويبيدها فيحيل الأرض إلى ظلام وبؤس وشقاء، ويجعل الحياة ساحة مضرجة بالدماء والدموع والأشلاء. وتعجب حين ترى أن التقدم في مستوى الوعي والتطور العلمي لم يستطيعا حتى اللحظة إيقاف أو حتى تحييد هذا السلوك العدواني وهذه الطبيعة الإجرامية في النفس البشرية، بل إن من المفارقات التي تدعو للتأمل أن حيزاً شاسعاً من التقدم العلمي تم توجيهه في تسابق محموم للآلة الحربية، التي يقدر العلماء أنها لو استخدمت جميعها لدمرت الأرض ونسفتها عدة مرات. وإن استغلال الجهلاء بالعزف على أوتار العاطفة وتحريك مكامن اللذة وإذكاء روح الحماس يكون عقولاً مفخخة قبل أن تكون أجساداً ناسفة هذه الحالة التي تغيب التفكير وتمنع الأسئلة وتلوي أعناق النصوص، تجعل من الإنسان دمية تحرك وآلة توجه ليتحول إلى قنبلة موقوتة، يمكن أن تنفجر في أي لحظة وفي أي مكان. وتتساءل حينها ما الذي أوصل الإنسان أي إنسان إلى هذه المرحلة البائسة التعيسة، إن لذلك أسبابا وعوامل وأهدافا وغايات، وجميعها ثمار للنبت الشيطاني الذي يحرق الأرض ويفسدها ويجعل ما عليها أثراً بعد عين. إن الرفع من قيمة الحياة وفلسفة البقاء المؤقت للعمارة والخير، مقابل قيمة الموت بصورته الفظيعة المؤسفة وفلسفة التدمير والفناء، أمر مهم للغاية، وخاصة في محاضن التعليم ووسائل الإعلام هذا خيط محوري نوعي ينبغي علينا الإمساك به مع عدة خيوط، أهمها: الدراسة المستفيضة؛ لتحديد مواقع الخطأ ومواطن الخلل، التي جعلت من تلك الحقول الخبيثة تنجح في أن تطرح وتصدر إنتاجاً غزيراً من الكراهية والعداوة والبغضاء. والعلم ثمرة العقل، ولذا فلا مناص من أن يقوم العلماء والخبراء بدورهم تجاه هذه الظاهرة المهددة للحياة، ولتحديد نقاط ضعفها، والعمل بشكل مركز وسريع للتعامل مع ذلك الشجر الخبيث. وفي تقديري، فإن أول ملامح النجاح ضمن هذا المسار، التحكم والسيطرة بالتربة الحاضنة للبذور بالشكل العلمي والموضوعي الصحيح، وقتها لا يمكن أن تكون لتلك النباتات الشيطانية أي بيئة مناسبة، مهما بذلت وحاولت واجتهدت وخططت. وليس ثمة علاج للجهل، إلا بالعلم، وعندما يتم التمكن من اختطاف العقول الفارغة فإنها لا تعود -قطعاً- إلا بالعلم المقنع الداعي إلى صراط مستقيم والمبني على أساس متين. والنبات الشيطاني ليس مقصوراً على موقع دون آخر، ولا حضارة دون أخرى، والأكيد أنه نبات لا يرتبط بدين ولا بجنس ولا بلون ولا ببلد، فمتى ما توافرت البيئة الحاضنة والدعم المشبوه والتخطيط المضمر والتوجيه المبطن والأهداف الدنيئة والغايات الخسيسة، واكتملت هذه المكونات يمكن أن نرى حالات متشابهة حد التطابق تنتظر لحظة الصفر لتحقيق الكارثة. ويبقى تماسك المجتمع ووحدته وترابطه ولحمته أقوى الحصون وأشد الدروع، التي تمنع تلك النباتات من اختراق الصف، وتوقف تلك الثمار من أن تجد لها سوقاً للبيع، ومن ثم الشراء والتناول، وليس أسوأ من الخلاف والفرقة والشتات والتحريض والكراهية وإشعال فتيل الفتن، فإنها تهيئ إقليماً مناخياً مثالياً للنباتات الشيطانية؛ لتطرح ثمارها المسمومة فتهلك الحرث والنسل وتقضي على الحياة. تربوي
مشاركة :