الكلمة بذور وثمار

  • 8/19/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الكلمة الطيبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين. فما العلاقة بين الكلمة والشجرة من جانب، والكلمة والثمرة من جانب آخر؟ هل يمثل الشكل وجها من وجوه هذه العلاقة؟ الكلمة محتوى معرفي ونفسي وهي قبل ذلك مجموعة أصوات تحمل نغما أو إيقاعا يتحدد حسب طريقة الأداء وسياق الموقف. فكم من كلمات أصواتها متنافرة وصعبة أكسبها سياق الموقف والتنغيم بعدا دلاليا مؤثرا. فامرؤ القيس وصف غدائر الشعر بأنها «مستشزرات إلى العلا» وتعمّد أن تكون الكلمة متنافرة وصعبة لدلالتها على هذا الشعر الذي يشبه الأدغال لكثافته وانتصابه. وكذا أطلق الله على شجرة العذاب «شجرة الزقوم» لمناسبة الزقوم لسياق العذاب وقبح الشجرة وهوان المقام والمقيم. بل إن كلمة حروفها أخف وأسهل تبدلت دلالتها إلى السخرية والاستهزاء والتوبيخ والإهانة وهي كلمة «الكريم» في سياق قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}، وكما أطلق قوم شعيب عليه {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، وهم يعنون بالرشد والحلم السفاهة والجهل. فللشكل دور مهم في العلاقة بين الكلمة والشجرة. وهذه العلاقة الشكلية علاقة عامة كلية تتضمن تفصيلات كثيرة، مثل جمال الشكل أو دمامته، أو حجمه أو لونه، ومثل ثبات المتكلم وقدرته على الإقناع والتأثير فيمن يستمع إليه أو يقرأ له. ولا ننس أن ظروف الأداء المباشر للكلمة غير ظروف القراءة. فالأول تحكمه ظروف الاتصال المباشر مثل قراءة الوجوه وأقدار المستمعين وظروف المكان والزمان وقدرة المتكلم على استخدام الإشارات الجسدية وتلوين الصوت وغير ذلك من ظروف الاتصال التي تحدد طبيعة الكلمة أيضا. وهي الظروف التي نعتمد على مخيلتنا في استحضارها حين القراءة. العلاقة بين الكلمة والشجرة ومن تفصيلات العلاقة الشكلية بين الكلمة والشجرة ثمرة الكلمة. فالشجرة قد تكون مبهرة شكلا ولونا وليس لها ثمر، وقد تحمل ثمارا لا ينتفع بها طير ولا بشر وقد تكون ثمارها نافعة لكنها هابطة الجدوى لما أصابها من إهمال وفساد. وكذا الكلمة هي نفسها ذات وجوه من النفع والجمال أو الضرر والدمامة. لذا لم يكتف السياق القرآني بإيراد الوجه النافع الجميل للكلمة أو للشجرة بل أورد الوجه «الخبيث» مقابل «الطيب». فالكلمة الخبيثة قد تكون جميلة الشكل بهية الوقع على الأذن والنفس لكنها كالشجرة الخبيثة لا ثبات لها ولا دوام ولا استقرار ولا ثمر يبقى بين الناس. عطاء لا ينضب فكأن الكلمة الطيبة ذات أكل كل حين تتجدد ولا ينضب عطاؤها. وسر تجددها أن جذورها ضاربة في أعماق الأرض تعيد طرح نفسها من جديد عن طريق ما بثمارها من بذور. هذه البذور بما فيها من سر الحياة تعيد إنتاج الجمال والنفع من جديد وتزرع حب الحياة والعمل من أجلها والسعي في الأرض {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} ونجد مظاهرها حولنا. فالكون بجماله وتعدد آفاقه كلمة ذات بذور تفيض بالجمال والعطاء معا لمن يحب العطاء والجمال. وآدم كلمة انتشرت بذورها للتعمير والعبادة، وعيسى كلمة فاضت أنوارها وبذور جمالها على البشرية، وموسى لم يكن له من سلاح باق إلا الكلمة. ومنذ القدم ولقاء الأنثى والذكر سره الكلمة التي ملأت الأرض بجمال البنين والبنات. وسر العبادات معقود على الكلمة بين العابد والمعبود. وختام وحي السماء إلى الأرض كلمة ذات أسرار هي «القرآن».;

مشاركة :