على قلة من يكتبون في الفن الساخر بالجزائر، يقف الكاتب والباحث والإعلامي عمار يزلي على صرح هذا النوع منذ أن خط لنفسه دربا في مجال الكتابة بشكل عام، وغدت الكتابة الساخرة كما يقول “هاجسا مركزيا، ذلك أن السخرية عندي، هي موهبة بالأساس، وقد تشحذ هذه الموهبة عن طريق المطالعة والممارسة والكتابة”. ويضيف الكاتب “منذ الصغر كنت مولعا بالسخرية والفكاهة وقلب الكلمات لأعطي دلالة معاكسة أو مناقضة للدلالة الأولى للفظ أو العبارة، وهي -أي الكتابة- مسألة ملكة وليست مكتسبة.. تنمو باستمرار”. الكتابة الساخرة يقول عمار يزلي “كنت مولعا بقراءة القصص والأدب الساخر وأنا صغير السن من عبدالقادر المازني إلى برنارد شو إلى أوسكار وايلد، إلى ياروسليف هاشك، وباقي النصوص المختلفة للأدباء الذين لا أذكرهم جميعا ولكن أذكر قصصهم إلى اليوم”. ويتابع “قراءاتي المتعددة باللغة الفرنسية من الصغر لكتب المغامرات والقصص الطريفة والروايات العالمية، جعل من الكتابة الساخرة تتحول معي إلى هوس وهاجس. فالمسألة لم تكن اختيارا بل دافعا غير شعوري نحو مثل هذا الأسلوب في السخرية والتهكم. فطبيعتي النفسية وشخصيتي كانتا ميالتين نحو الفكاهة منذ الصغر وهذا ما جعلني ‘أختص’ في الكتابة الساخرة إبداعا، من قصة قصيرة ومسرح ومسلسلات فكاهية.. إضافة إلى التخصص الأكاديمي عندما اشتغلت على السخرية كشكل من أشكال المقاومة الثقافية في الجزائر المحتلة والتي صدرت في جزأين بعنوان: أنطولوجيا الثقافة والمقاومة”. تتفاوت حسب الكاتب النظرة إلى فن الفكاهة من شخص إلى آخر فهي كما يشير “موجودة عند الجميع بنسب متفاوتة. فالكل يضحك ويحب الضحك والمزاح والنكتة. لكن رواية النكتة قد تختلف من راو إلى آخر. فقد يروي لنا النكتة أحدهم فلا نضحك ويرويها آخر فنموت ضحكا. هذا يرجع إلى ملكة طريقة القص والرواية، وبالتالي فإن السخرية والكتابة الساخرة فن. والفن لا يكتسب بقدر ما يصقل وينمو عبر استعداد فطري وموهبة”. من هنا، فواقع الكتابات الساخرة تبدو كما يعتقد أنها قليلة في المجال الأدبي والقصصي والروائي والإعلامي. بينما يرى أن سبب عدم انتشار هذا الأسلوب في العالم العربي خاصة، هي الأنظمة الحاكمة التي تعتبر السخرية والنكتة والكاريكاتير تهديدا سياسيا للنظام، كونه يعري ويفضح بالسخرية وبالضحك، وبطريقة غير مباشرة كل تلك الهالات التقديسية التي يضعها ويرسمها الدكتاتور والمستبد لنفسه ولرموزه ولنظامه. وعن تجلي هذه الروح عند كتابات غيرنا في العالم يقول يزلي إنها “حاضرة بقوة في روايات أدباء أميركا اللاتينية من خورخي لويس بورخيس وكارولس فوينتس وغارسيا ماركيز. وغيرهم. إنهم يوظفون السخرية لتذويب أعتى المواد الصلبة في المجتمع وهي المؤسسة العسكرية في النظام الدكتاتوري. السخرية عندهم كمثل حامض الكلور. لينة مسالمة، غير مباشرة ولكنها فعالة، تقول شيئا وهي تريد أن تقول شيئا آخر. إنها تعتمد على اللمز والهمز والغمز والمعاني والرموز، وهذا ما يخيف المستبد، لأن الأديب الساخر يمرر شتيمة وسبا وقذفا بطريقة سلسلة لا تبدو سوى أنها فكاهة”. للسخرية حسب الكاتب عمار يزلي طرق وسبل، يقول “هي أشبه بالزئبق.. لأنها تفلت من الرقابة إذا كانت دقيقة فنيا. لا يمكن للأديب والإعلامي الساخر الذكي المتمكن أن يكون محل متابعة مباشرة لأنه عادة ما يمرر خطابه النقدي دون أن يلقي الرقيب القبض على لفظ واحد يدين صاحبه. لأنه يحمّل اللفظة والعبارة أكثر من دلالة وقراءة. الهويات المغاربية شكلت مسألة الهوية أحد أهم بحوث الكاتب عمار يزلي وقد حاول الحفر في التاريخ لفهم ظاهرة الاختلاف والتباعد والتنافر الذي تعيشه منطقة المغرب العربي بسبب صراعات الهويات فيها. يقول في هذا الصدد “كل ما حولنا يتحول ويتغير لأن التغير من سنن الحياة. في آخر كتاب صدر لي، حول تشكل الهوية المغاربية عبر العصور، عدت إلى ابن خلدون وحاولت أن أطبق نظريته على الواقع المغاربي فلاحظت أنه لا شيء تغير تقريبا من ألف سنة، بل أكثر. نفس التشكل القبلي ضمن الفضاءات المعروفة اليوم ولكن فقط بأسماء مختلفة وصراع على الحدود بين الإخوة الأشقاء. وانتبهت بعد إجراء عملية حسابية أن الجزائر كواحدة من هذه الدول المغاربية تتقاسم مع بقية دول الجوار من مصر إلى ليبيا إلى تونس والمغرب وموريتانيا، ودول الإقليم من سوريا والعراق واليمن ودول الخليج. كل الدول، عليها أن تتغير قبل 2030، وهذا ليس مجرد رهان بل حتمية”. وكمثال على حتمية التغير التي ستأتي يعتقد أن “الجزائر مقبلة على تغير كبير قبل 2030، كون الجيل الثاني من الثورة سينتهي عند هذه السنة تقريبا. هذا ينطبق أيضا على الكثير من الدول العربية التي ولدت كلها في الخمسينات، بدءا بمصر وثورة 23 يوليو 1952. الجيل الأول انتهي في التسعينات بعد مرور 40 سنة بحسب النظرية الخلدونية، ومنه عشنا تحولات عنيفة أحيانا خلال هذه الفترة. والجيل الثاني سينتهي في الثلاثينات المقبلة. وهذه حتمية لهذا نرى كل هذه التحولات تأتي متزامنة في نفس الفترة تقريبا. لذا تغدو المسألة مسألة تحول دوري حتمي يلعب في العامل الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والخارجي دورا كبيرا لكن العامل الداخلي هو الأساس”. ويؤكد يزلي أن “شعوبنا المغاربية والعربية تستمد روحها الثقافية واللغوية من نفس المصدر، عربية كانت أو بربرية. نفس المصدر اللغوي والعائلة اللغوية التي تسمى العائلة اللغوية السامية، مقارنة بالعائلة اللغوية الهند أوروبية. بين العربية والبربرية وحتى العبرية أواصر مشتركة في الآرامية والسريانية. نفس الأبجدية نجدها في العربية والعبرية والبربرية. 22 حرفا في اللغات غير العربية و27 في العربية. كونها لغة تراكمية وتركيبية”. من هنا يرى الكاتب الجزائري أن “اللهجات العربية كلها تحمل نفس الجذع المشترك وهي العربية الفصحى، ممثلة في اللهجة القريشية، لغة القرآن. لكن هذا لا يعني أن اللهجات العربية قبل الإسلام لم تدخل في النسق والنسيج اللغوي العربي في القرآن، بل إننا نجد الكثير منها. وهناك معجم كبير من المفردات العربية في اللهجات غير القريشية موجود في القرآن، الذي نزل على سبعة أحرف. أي بسبع لهجات. لكن نجد أيضا فيه كثيرا من المفردات غير العربية. فارسية حبشية أرامية سريانية.. هذا التنوع أثر في الأمازيغية التي تأثرت بالفينيقية قبل ذلك وبالمسند الحميري بحسب الأبحاث. فالأمازيغية لغة سامية مثلها مثل العربية والفينيقية والأرامية والسريانية والعبرية. لهذا شعوبنا العربية الأمازيغية في الواقع هي شعب واحد من أصول واحدة ولهجاتها مستمدة من نفس اللغة الأم. وأتعجب في من يجعل مسألة اللغات واللهجات هوية سياسية أو عرقية لأغراض سياسية بحتة”. يرى عمار يزلي أن الحراك في الجزائر “كان حتمية. فهو ظاهرة اجتماعية بحاجة إلى دراسة، فالشعب الجزائري لا يزال يخرج وسيبقى يخرج. ولا يجب أن نفهم أن كل من يخرج هو معارض للنظام. بل إن كثيرا منهم مع النظام ومع الجيش والكثير منهم يخرج فقط لأنه تعود على الفرجة والمتنفس الذي لا يجده في أيام أخرى عندنا في الجزائر. الكثير من الشباب تزوجوا في الحراك ومن الحراك. ويقبلون عليه لما فيه من حرية تعبير واختلاط وأمن أيضا. إنها ظاهرة بحاجة إلى دراسة اجتماعية موسعة فعلا”.
مشاركة :