رواية "فردقان" للروائي والكاتب يوسف زيدان تكشف بشكل تفصيلي عن حياة الفيلسوف ابن سينا والمعروف بـ"الشيخ الرئيس"، وأفكاره والأسباب الخفية وراء تأليف كتبه.حملت الرواية طابع حزين منذ مشهد البداية الذي يدخل من خلاله الراوي إلى عمق الأحداث، ومن قبله التصدير الذي بدأ بشطر بيت شعري لابن سينا يقول فيه: "لما غلا ثمني عدمت المشتري" وما يحمله من إحالة لمكانة الطبيب والفيلسوف المهدرة، وإمكانية التنبؤ بما قد ستتجه نحوه الكتابة، ويتضح أكثر في مشهد البداية عندما يقول: "بملل، مالت شمس النهار الشتوي القصير، متباطئة، إلى محط مغيبها اليومي.. هبطت كأنها تتوقى ملامسة مستقرها المحتوم المحتشد حوله سحاب ثقيل يميل أسفله إلى الاسوداد" فإن كلمات مثل: "الملل- متباطئة – مغيب – هبطت – مستقر محتوم – سحاب ثقيل – اسوداد" تصدر بصورة منطقية حالة من البؤس الذي يتلاءم مع شخصية الرواية التي دائما ما تعاني وتعيش حياة غاية في الصعوبة.حفلت "فردقان" بكثير من المواقف الكاشفة لحياة وفكر ابن سينا، ولا سيما ميله لـ "الحكمة المشرقية" التي تشرق من داخل الإنسان المفعم بالتأمل والمطالعة والتلقي والتفكير الحر، ربما المشهد الذي يسرده الكاتب عندما يدخل ابن سينا السجن ويعود آمر القلعة إلى غرفته، بينما لا يفصل بين الغرفتين إلا جدار، كلاهما يجلس على سرير ظهره مستند إلى نفس الحائط الذي يفصل بين حجرتيهما، كلاهما يسترجع أحداث الماضي، المزدوج يشاهد رحلة فراره من ديار بكر والموصل ووفاة والده، وزواج أمه ثم وفاتها ووصوله إلى تلك القلعة، وابن سينا يتأمل ميلاده والأيام الهانئة مع سندس وصولا إلى حبسه في القلعة، ثم يعلق الراوي قائلا: "وفي لحظة إشراق مفاجئ مدهشة التزامن اكتشف كل منهما بعد طول تطواف فيما جرى معه من وقائع أنه سجين وسجان في ذات الآن"، وكأن ذلك المشهد هو صورة تقريبية للإشراق الداخلي الذي يشبه نوعًا ما الحدس الصوفي الباطني، وربما حصله الشيخ الرئيس وتأثر به من خلال نشأته في ظل المذهب الإسماعيلي الذي انبثقت منه الحركات الباطنية المشهورة.كان البناء الروائي مثقلا بأعباء شتى، بداية من قاموس الراوي الذي يشبه تمامًا قاموس الشخصيات آنذاك، كما يمكننا أن نقول أنه يتشابه تمامًا مع الكتابات التاريخية والليالي العربية في بعض العبارات، ذلك إلى جانب اتجاه الراوي لمزيد من الشروحات والتبريرات.يشار إلى أن رواية "فردقان" للروائي يوسف زيدان قد وصلت للقائمة القصيرة لجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر"، حيث يتنافس معها 5 روايات أخرى ضمن القائمة القصيرة تم اختيارها من بين 16 رواية كانت بالقائمة الطويلة، وذلك وفق ما أعلنته لجنة تحكيم الجائزة في مؤتمر صحفي عقد في متحف حضارة الماء بالمغرب.يتنافس الكتاب المرشحون للفوز بالجائزة الكبرى والبالغة قيمتها 50 ألف دولار أمريكى، فيما يحصل كل كاتب وصل إلى القائمة القصيرة على مبلغ 10 آلاف دولار أمريكى، وذلك خلال حفل الإعلان عن الرواية الفائزة يوم 14 أبريل المقبل في أبو ظبى.
مشاركة :