“انتهازية”، “تقديس عقلية الحرب الباردة”، “قلة أخلاق”، “تبلّد مشاعر”.. بهذه التعابير وصفت وسائل الإعلام الصينية تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين التي أظهرت الشماتة بالصين، على ضوء انتشار فيروس كورونا الجديد والأضرار الفادحة التي ألحقها على مختلف المستويات البشرية والاقتصادية والمعنوية. في الواقع، هذه الأوصاف ليست تجنياً أو افتراء، وإنما هي مجرد توصيف لما قام به عدد من المسؤولين الأميركيين خلال الأيام الماضية، في خضم تعليقهم على هذا الحدث المأساوي الذي هزّ الصين وجعلها تحوّل كل طاقاتها إلى أولوية وحيدة، هي الحد من انتشار الفيروس ومن ثم تطويقه والقضاء عليه. والواقع أيضاً يقول إن الإجراءات الصينية كانت حاسمة وفعّالة في تحقيق هذه المهمة، والأرقام المنشورة بكل شفافية وصدق تؤكد فاعلية هذه الإجراءات وقدرتها على منع الفيروس من التحول إلى وباء عالمي خارج عن السيطرة، وهذا ما تعجز عنه أي دولة أخرى في العالم بما فيها الولايات المتحدة نفسها. فماذا كان رد المسؤولين الأميركيين على هذه الجهود؟ في عيّنة بسيطة، يمكن ذكر تصريحات وزير التجارة الأميركي ويلبر روس الذي قال “إن الوباء في الصين سيساعد على عودة فرص العمل إلى أمريكا”. أما وزير الخارجية بومبيو فاستغل فترة انتشار الفيروس في الصين للتأثير على علاقات الصين مع جيرانها أثناء زيارته لآسيا الوسطى. كما وصل الامر بالسناتور الأمريكي توم كوتن للدعوة إلى عزل الصين ودعا جميع الأمريكيين إلى مغادرتها. وقد ترافقت هذه التصريحات مع تصرفات استفزازية أميركية على أرض الواقع، حيث أقفلت الولايات المتحدة قنصليتها في ووهان، المدينة المنكوبة بالفيروس، وتعمل على إجلاء كل الرعايا الأميركيين من الصين، وتمنع السفر إلى هذه الدولة، وتمنع الصينيين من الدخول إلى الأراضي الأميركية، وغيرها من التصرفات التي تعبّر عن الاستهتار بمشاعر الصينيين وعدم احترام دولتهم وكرامتهم الوطنية. هذه الإجراءات لا تدل على روح الصداقة التي يجب أن تسود في العالم، هكذا ينظر الصينيون إلى ما يقوم به الأميركيون. فقد انتقدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ بشكل رسمي “التصريحات الأمريكية غير الودية” التي صدرت في وقت تخوض فيه الصين حربا ضد تفشي فيروس كورونا الجديد، موضحة أن ما فعله الجانب الأمريكي “قطعا، لم يكن دلالة على نوايا طيبة”. وتابعت هوا “الصديق وقت الضيق. والكثير من بلدان العالم قدمت الدعم للصين بمختلف الوسائل”، مستطردة بقولها “على النقيض تماما من ذلك، كانت تصرفات وتصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين منافية للحقيقة وأيضا غير لائقة”. وما تحفظت الناطقة الرسمية الصينية عن النطق به قالته وسائل الإعلام الصينية المختلفة، وعلى رأسها وكالة الأنباء الرسمية (شينخوا) وصحيفة الشعب الرسمية والأكثر انتشاراً في الصين. فعبارات مثل ” واشنطن تقدّس عقلية الحرب الباردة الصفرية”، و”تأمل الصين من الجانب الأمريكي التوقف عن اتخاذ القرارات غير المسؤولة التي لن تفيد العالم ولن تجعل من الولايات المتحدة دولة عظيمة.” و”الجانب الأمريكي يسعى إلى إشاعة الهلع”، و”تعليقات روس (وزير التجارة الأميركي) متبلدة الشعور وعديمة الرحمة” هي بعض ما ورد في تعليقات عديدة ومتكررة نشرتها هذه الوسال الإعلامية خلال الأيام الماضية، ما يشير إلى نفاد صبر واستياء كبيرين لدى المسؤولين الصينيين من طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع هذه الأزمة التي لا تهدد الصين فقط، وإنما العالم ككل. من الواضح تماماً أن تعاطي الولايات المتحدة مع كارثة انتشار فيروس كورونا الجديد لم يحمل في طياته أي أخلاقيات أو مداراة أو حتى نظرة عقلانية إلى مصالح الصين والولايات المتحدة نفسها والعالم معهما، كما أن الرد الصيني يدل على عدم احتمال هذه العقلية الأميركية المفرطة في العنجهية واللؤم والتعالي والشماتة والتشفي، ما يؤشر إلى مرحلة جديدة من التأزم في العلاقات بين بكين وواشنطن. ولربما يترك هذا الأسلوب الأميركي آثاره الكبيرة على مستقبل التعاطي بين الدولتين، فالصينيون لا يسامحون أولئك الذين يستغلون الأزمات والذين يعملون على تعقيدها أكثر فأكثر، فكيف يمكن أن يتعاملوا مع الأمور في حال كان الدور الأميركي في هذه الأزمة أكبر من ذلك؟ القول السائد في الصين الآن إن “الصديق وقت الضيق”، فمن لا يكون عند الضيق صديقاً، لن يكون كذلك في أيام الرخاء.
مشاركة :