إغلاق الحدود مع الصين يكلف روسيا ثمنا باهظا

  • 2/8/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فيروس كورونا أوضح للحكومة الروسية أن كل بادرة إيجابية تحيط بها سحابة. في الأعوام الأخيرة تم الاحتفاء بحشود السياح الصينيين الذين يملؤون "الساحة الحمراء" أو منافذ بيع المصممين في موسكو باعتبارها مؤشرا على الصداقة الاقتصادية الجديدة المزدهرة بين الدولتين. الآن ينظر إليهم على أنهم تهديد محتمل. تضاعفت مبيعات أقنعة الوجه في روسيا 13 مرة في الأسبوع الماضي. يأتي قرار روسيا الأسبوع الماضي إغلاق حدودها البرية الطويلة مع الصين في وقت تشهد فيه التجارة بين الدولتين ازدهارا. يدرس هذا المقال الخطر الذي يهدد الاقتصاد الروسي نتيجة لذلك. على مدى الخمسة أعوام الماضية كانت حدود روسيا مع الصين، الممتدة أربعة آلاف كيلو متر، إحدى بطاقاتها الرابحة المفضلة التي تلوح بها للدول الغربية التي تفرض عقوبات على الكرملين. حسنا، خذ تمويلك المصرفي الكبير واستثمارك الأجنبي المباشر إلى أماكن أخرى، كان المسؤولون الروس يهتفون بحدة فنحن نملك بكين في جانبنا. تعد الحدود الطويلة والواسعة ممتازة عندما تريد تعزيز التجارة مع اقتصاد عملاق يحتاج إلى استيراد كميات ضخمة من الشيء الذي تنتجه بكميات هائلة: الطاقة. لكنها ليست جيدة عندما يكون هناك وباء فيروسي شديد العدوى ينتشر على الجانب الآخر ولا أحد متأكد من مدى عمق الضربة المالية، أو إلى متى ستستمر. دون بكين سيكون اقتصاد روسيا القوي نسبيا في حالة سيئة. العقوبات الغربية التي فرضت لأول مرة في 2014 بعد أن غزت موسكو شبه جزيرة القرم وضمتها من أوكرانيا قطعت الجزء الأكبر من تمويل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لكثير من الشركات الروسية الكبرى، وخفضت التجارة مع أوروبا، وأثرت تأثيرا سلبيا في مناخ الاستثمار في البلاد. لكن مع قرب انتهاء الدولارات، جاء الرنمينبي بكميات كبيرة. أنقذ المستثمرون الصينيون مشاريع الغاز التي كان من الممكن أن تفلس، واشتروا حصصا في مشاريع كبيرة في مجال البنية التحتية. بتشجيع قوي من الصداقة بين الرئيسين شيجين بينج وفلاديمير بوتين بدأ التجار الاستفادة من المعابر الحدودية الجديدة للسكك الحديدية والطرق. لكن مع انتشار فيروس كورونا، تحركت روسيا لإغلاق جميع نقاط التفتيش تقريبا الأسبوع الماضي، إضافة إلى إلغاء التأشيرات الإلكترونية الصينية وحظر دخول مجموعات سياحية كبيرة إلى البلاد. إضافة إلى أنها أغلقت نقطة العبور على الحدود الروسية المنغولية، وهي طريق بديلة للبضائع الصينية إلى غربي روسيا. لحسن الحظ، تطورت العلاقات التجارية منذ ثلاثة عقود، عندما شهدت ما تسمى "تجارة الحقائب" آلافا من شركات الاستيراد والتصدير الفردية تنقل أكياس البضائع الصينية إلى روسيا لبيعها في زوايا الشوارع. في المقابل التجارة بين الدولتين التي ارتفعت 25 في المائة في 2018 لتبلغ 100 مليار دولار، لها ثلاث ركائز رئيسة. أولا، النفط والغاز، اللذان يتم ضخهما جنوبا عبر خطوط أنابيب ضخمة أو يتم شحنهما على ناقلات، يمثلان نحو 70 في المائة من الصادرات الروسية إلى الصين. ثانيا، كل ما تبقى تقريبا عبارة عن مواد أو معدات طبيعية خام تغذي قطاع التصنيع في الصين. ثالثا، في المقابل تتجه إلى موسكو مجموعة كبيرة من السلع تامة الصنع، في مقدمتها الإلكترونيات والملابس في شاحنات أو قطارات، بدلا من حملها باليد. الركيزتان الأوليان هما الأكثر عرضة للخطر على المدى القصير. ومع أن المعابر الحدودية المغلقة ستؤثر بلا شك في حركة الشحنات الصغيرة، إلا أن الضرر المحتمل على صادرات الطاقة الروسية أكبر بكثير. انخفضت أسعار النفط الخام بالفعل 15 في المائة من أعلى مستوياتها في أوائل كانون الثاني (يناير)، وسيستمر انخفاض الطلب الصيني على الوقود مع استمرار إجراءات الحجر الصحي، أو تمديدها، مع إصدار أوامر للمواطنين بالبقاء في منازلهم. مع خفض المصانع الصينية الإنتاج، أو إغلاقها المؤقت، سيتأثر الطلب على الوقود والسلع الخام التي يتم استخراجها من أراضي سيبيريا، ما يعني تكدسها في عربات القطارات التي تنقلها عبر منطقة الشرق الأقصى في روسيا. انخفض سعر الروبل الروسي، الذي يتأثر بسعر النفط العالمي والتوترات الجيوسياسية، أكثر من 3 في المائة الأسبوع الماضي. وتراجع مؤشر البورصة الرئيس 2.5 في المائة في الفترة نفسها، بقيادة شركات النفط والغاز. كتب فلاديمير تيخوميروف، كبير الاقتصاديين في "بي سي إس جلوبال ماركتس" في موسكو، في ملاحظة هذا الأسبوع: "روسيا بالكاد محصنة". وتابع: "على الرغم من صعوبة تقييم الأثر الاقتصادي الكلي للوباء الجديد بشكل كامل (...) سيستمر الضغط على الروبل وتدفقات رؤوس الأموال من روسيا". المسؤولون الروس الذين يحرصون على الحفاظ على علاقات وثيقة مع شركائهم الصينيين يبذلون قصارى جهدهم للتأكيد أن إجراءاتهم "استثنائية ومؤقتة". لكن ليس من الصعب أن نتخيل أن في بكين من يشعرون بالانزعاج من استجابة روسيا الحادة نوعا ما للوباء، خاصة بالنظر إلى مدى دعم الصين منذ فرض العقوبات الغربية على موسكو. في الوقت الحالي، اشتكت بعض المدن الشرقية من رفوف الفواكه والخضراوات الفارغة في المتاجر بسبب توقف الشحنات الصينية، وتقول روسيا إن شخصين فقط -مواطنان صينيان في مدن تقع في أقصى شرقي موسكو- تأكد أنهما يحملان الفيروس في البلاد. لكن إلى أن يخف وباء الصين، فمن المرجح أن تكون روسيا أحد أكبر الضحايا المحتملين، لأن توقعات النمو التجاري الكبير لعام 2020 وضعت بهدوء على الرف أو تقلصت.

مشاركة :