حددت محكمة الاستئناف العليا الثانية المدنية 23 يونيو/ حزيران 2015 للدراسة بقضية استئناف حكم وقف نشاط جمعية الوفاق لمدة 3 أشهر مع إلزامها بإزالة أسباب المخالفة. هذا، وتعود وقائع الدعوى إلى تقدم وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ خالد بن علي آل خليفة (بصفته) في تاريخ (20 يوليو/ تموز 2014) برفع دعوى أمام المحكمة الإدارية، طالباً الحكم بوقف نشاط جمعية الوفاق لمدة 3 أشهر تقوم خلالها بإزالة أسباب المخالفة بعقد مؤتمرها العام على النحو الصحيح لانتخاب قياداتها طبقاً لقانون الجمعيات السياسية رقم (26) لسنة 2005 مع إلزامها بالرسوم والمصروفات. وأوضح وزير العدل في دعواه أن جمعية الوفاق تم الإعلان عنها كجمعية سياسية بموجب قرار وزير العدل رقم (38/2005) الصادر في (13 ديسمبر/ كانون الأول 2005). وأنه أثناء مباشرتها نشاطها، لوحظ أنها لم تتبع الإجراءات والضوابط التي حددها المشرّع لعقد مؤتمراتها العامة، وذلك بالمخالفة لما ورد بنظامها الأساسي ولأحكام القانون رقم (26) لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية، وهو ما حدا إلى إقامة الدعوى. وكانت المحكمة الكبرى الإدارية قضت بوقف نشاط جمعية الوفاق لمدة 3 أشهر مع إلزامها بإزالة أسباب المخالفة. وبرّرت هيئة المحكمة المنعقدة برئاسة القاضي جمعة الموسى، وعضوية القاضيين محمد توفيق وأشرف عبدالهادي، وأمانة سر عبدالله إبراهيم، حكمها بوقف نشاط جمعية الوفاق بأن الثابت من أوراق القضية قيام جمعية الوفاق بعقد مؤتمرها العام لانتخاب قياداتها خلال الأعوام (2010، 2012، 2013، 2014) بالمخالفة للنظام الأساسي للجمعية ولأحكام القانون رقم (26) لسنة 2005. فقد عُقدت بعض هذه المؤتمرات في إحدى دور العبادة بالمخالفة لنص المادة (6) الفقرة (4) من القانون، فضلاً عن امتناع جمعية الوفاق عن موافاة وزارة العدل بآليات عقد المؤتمرات سالفة الذكر، والمحاضر المتعلقة بكيفية الدعوة لاجتماع المؤتمر العام، ومحاضر الحضور والتصويت، والتقارير التي عرضتها الأمانة العامة على المؤتمر، وذلك على النحو الثابت بخطاب جمعية الوفاق والموجه إلى وزارة العدل بتاريخ (9 مارس/ آذار 2010). واعتبرت المحكمة ذلك أمراً يخالف أحكام المادة (18) من القانون. ونفت المحكمة ما تذرعت به جمعية الوفاق من أن نص المادة السالفة لا يلزمها بتقديم التقارير التي عرضتها الأمانة العامة على المؤتمر، أو أية قرارات متعلقة بآليات عقد المؤتمر العام، ما تكون معه في حل من إجابة الوزارة إلى طلبها في شأن هذه البيانات أو القرارات. وردّت المحكمة على ذلك الدفع موضحةً أن ما أورده المشرّع في تلك المادة من القرارات التي يتعيّن على الجمعية إخطار وزير العدل بها، جاء على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يتفق مع الغاية التي قصدها المشرّع، وهى تمكين وزير العدل من ممارسة دوره الرقابي المناط به قانوناً، والقول بخلاف ذلك من شأنه إفراغ هذه الرقابة من مضمونها، وهو ما يأباه الفهم القانوني السليم، ومن ثم لا يسوغ لجمعية الوفاق، في صدد عقد مؤتمراتها العامة، الاكتفاء بإخطار وزارة العدل -وهي الجهة المعنية برقابة أداء الجمعيات السياسية- بأقوال مرسلة المضمون غير مدعمة بأدلتها من قرارات أو محاضر أو أية آليات قانونية أخرى تدل على مباشرتها لنشاطها وتنظيم علاقاتها بأعضائها بصورة علنية على أساس ديمقراطي وبما يتفق مع أحكام الدستور والقانون. وخلصت هيئة المحكمة إلى أن ما تمسكت به جمعية الوفاق، ينطوي على فهم خاطئ لأحكام القانون، ويجعل ممارستها لنشاطها يتم بصورة ضبابية بمنأى عن أية رقابة قانونية، الأمر الذي تخلص معه المحكمة إلى مخالفة «الوفاق» لأحكام القانون رقم (26) لسنة 2005 في شأن الجمعيات السياسية، وبما يتعين معه إجابة وزير العدل إلى طلبه وقف نشاط جمعية الوفاق لمدة 3 أشهر، لقيامه على سند صحيح من الواقع والقانون. وأكدت المحكمة حق وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف رقابة أداء الجمعيات السياسية وتقويم اعوجاجها، قائلةً إن المشرّع أناط بوزير العدل -اعتباره القوّام على تطبيق أحكام قانون الجمعيات السياسية- رقابة أداء تلك الجمعيات وتقويم اعوجاجها كلما نكلت عن طبيعة واجباتها إهمالاً أو انحرافاً، فأجاز له أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية، بناءً على دعوى يقيمها، الحكم بإيقاف نشاط الجمعية لمدة لا تزيد عن 3 أشهر تقوم خلالها بإزالة أسباب المخالفة، وكل ذلك من صميم ما يتطلبه استقرار المجتمع وما يلزم لتحقيق أمنه وأمان أفراده. ونوّهت هيئة المحكمة الكبرى الإدارية بأهمية وخطورة الدور الذي تقوم به الجمعيات السياسية في المشاركة في الحياة السياسية وترسيخ مبادئ السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، وعليه فقد أجاز المشرّع للمواطنين حق تكوين الجمعيات السياسية أو الانضمام لأي منها، ولم يترك ممارسة هذا الحق سُدى، بل أحاطه بسياج من الضوابط والإجراءات التي تنظم ممارسته بما يضمن عدم الانحراف في ممارسة النشاط السياسي عن الأهداف المرجوة من تكوين تلك الجمعيات. وأكدت أنه من غير المقبول مثلاً ولا بالمستساغ منطقيّاً ولا الجائز دستوريّاً أن تكون ممارسة هذا الحق مغفلة الضوابط متحررة من كل قيد، بل هي تفرض حتماً وتتطلب دوماً قيمة كلية تكون أساساً تبنى عليه الأحكام التفصيلية كما تمثل حدوداً تمنع الشطط في ممارسة العمل السياسي.
مشاركة :