استطاعت بعض الأفلام التي عرضت خلال الفترة الماضية التحايل على التعقيدات والعراقيل التي تفرضها الرقابة على المصنفات الفنية، سواء في رقابتها لنسخ الأفلام الورقية أو بعد الانتهاء من تصويرها وقبل عرضها تجارياً للجمهور من خلال التصنيف العمري لمشاهدتها. وتتم الكتابة على نسخة العرض أنه يحظر مشاهدتها لمن هم أقل من 12 أو 14 أو 16 عاماً، لاحتوائها على ألفاظ خادشة، ومشاهد عنف أو جنس أو قتل أو مخدرات، كما حدث في «الخلية»، و«حلاوة روح»، و«سكر مر»، و«شد أجزاء»، و«اشتباك»، و«مولانا»، و«122»، و«ولاد رزق»، و«الفيل الأزرق»، و«الكنز» وغيرها. وفي الوقت الذي يطالب فيه البعض بضرورة التحرر من القيود الرقابية على الأفلام والمسلسلات، لارتفاع سقف الحريات، وتمتع الجيل الحالي بنضج أكبر، يرى البعض الآخر ضرورة تفعيل دور الرقابة أكثر، وذلك لنقص الثقافة وغياب القيم والرموز الكبرى أو تخليها عن دورها. وترى المؤلفة وأستاذ السيناريو بالمعهد العالي للسينما الدكتورة ثناء هاشم، أن الرقابة في بعض بلدان العالم تعمل بنظام التصنيف العمري بعد الانتهاء من العمل، ولم يعد هناك بلدان تراقب السيناريو الورقي. وقالت: «نحن نفعل الاثنين، المراقبة الورقية والتصنيف العمري، أي أن الرقابة مزدوجة، وعمل الرقابة الأساسي منذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي استهدف ضمان التوافق مع الظروف القائمة، والرقابة تهندس التمرير وفق حسابات معقدة لا علاقة لها بحياء وأدب المتلقي وأخلاقه». وأكدت أن أفلام محمد خان وعاطف الطيب وداود عبدالسيد ورضوان الكاشف وغيرهم، رفعت وعي الناس في فترة تاريخية، وأنها قد تكون أخذت وقتاً، لكنها ربت جيلاً كان له في النهاية موقف معين. ولفتت إلى أن الدراما التلفزيونية في كل دول العالم تختلف بشكل جذري عن السينما، من حيث نوعية الجمهور وطبيعة التلقي ومساحة زمن الحكي ونوع الكتابة، ولو كتب ماركيز مسلسلاً سيراعي هذه المعايير، ومن ثم ترتفع وتنخفض جودتها وفق ثقافة المبدع وجديته ونضجه وشكل الإنتاج. وقال المخرج يوسف أبو سيف إنه من الصعب أن توجد صناعة سينما كبيرة لدينا في ظل الرقابة على الأفكار، والتي يتم التحايل عليها من قبل المؤلفين من خلال التعرض لمشكلات سياسية واجتماعية تلامس الواقع، ولكنها لا تتعرض له بصورة مباشرة. وأشار إلى أن التصنيف العمري ورفع لافتة «للكبار فقط» على بعض الأفلام يمثل حلاً مؤقتاً، ولكنه ليس حلاً جذرياً، خصوصاً أن الأفلام يعاد عرضها بعد دور السينما على شاشات القنوات الفضائية، وهو ما يضعها مرة ثانية تحت مقصلة الرقابة التلفزيونية، وهذا يمكن أن يحدث مع بعض وليس كل القنوات. وفي المقابل، يؤكد الناقد رامز الحيطي أنه تم إنتاج أفلام ومسلسلات في السنوات الأخيرة اتسمت بالسطحية والسذاجة والعنف المبالغ فيه، وعملت على تدمير عقول وأخلاق جيل كامل. وتساءل: ماذا سيقدم جيل مثل هذا غداً، ومثله الأعلى شخصية «بلطجي» بالأحياء الشعبية يقتل ويسرق ويسفك الدماء ويرتكب كل الممنوعات، ليتمكن من الحصول على ما يريد، إضافة إلى الإباحية الصادمة بالحوار والمشاهد الخارجة، ويتم تغليف كل هذا بغلاف درامي مؤثر حزين ليتعاطف معه المشاهد، وطالب بتفعيل دور الرقابة أكثر، سواء رقابة الورق أو التصنيف العمري أو بطرق أخرى أكثر جدية.
مشاركة :