إشراقات وتأملات

  • 2/12/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

خلافة الإنسان في الأرض، قال تعالى"إني جاعل في الأرض خليفة".. خلق الله تعالى الإنسان وكرمه وفضله على كثير من خلقه وأسجد له ملائكته وسخر له ما في سمواته وأرضه وخصه بنعمة العقل والعلم والبيان وجعله متفوقا على الملائكة الكرام، وخلق من أجله الحياة والجنان وأراد بذلك أن يكون خليفة له في أرضه، فما هو الاستخلاف، وما هي الأمانة التي حملها الإنسان وكان ظالما لنفسه جهولا بربه، وهل أدى الإنسان أمانة الاستخلاف.هذه التساؤلات هي محور هذا المقال والمقالات التالية، أولا معنى خلافة الإنسان في الأرض، الخلافة هي الإنابة الكاملة  من  الله تعالى عنه سبحانه في إدارة الأرض وعمارتها، فالخليفة هو القائم بأمر الله والمنوب منه عنه سبحانه في الأرض لعمارتها واصلاحها والحفاظ على مظاهر الحياة فيها. قال تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة" ودور الخلافة يتلخص في ثلاث مهام وهي: عمارة الأرض وإصلاحها كما ذكرنا،واقامة العدل الإلهي في ربوعها، ونشر الرحمة الإلهية بين عوالم الخلق فيها،هذا هو دور الخليفة وهذه هي مهمته في الأرض، فهل حقق الإنسان هذه المهمة وأدى دوره فيها كما أراده الله تعالى ؟ .في الحقيقة لم يحقق الخلافة في الأرض ولم يؤد دوره الحقيقي بنجاح  كما أرادها الله تعالى إلا القلة القليلة من بني آدم من البشر وهم السادة الأنبياء والأولياء وعباد الله الصالحون عليهم السلام، أما الكثرة والغالبية من البشر فشلوا تماما في أداء أمانة الاستخلاف و إقامة دور الخلافة بإفسادهم في الأرض وظلمهم وجورهم واعتدائهم على الخلق ومظاهر الحياة وما كان ذلك إلا لابتعادهم عن منهج الله وشريعته الغراء ذلك المنهج القويم الذي لم يهمل أي شأن من شئون الحياة ولا أي شأن من شئون الإنسان وهو منهج حياة راشد سليمة وبالأخذ والعمل به تقام الخلافة كما أرادها الله وتؤدى الأمانة بإقامتها والعمل بها فهي مصدر التوجيه والهداية والنصح والإرشاد وهي التي حملت بين طياتها الرحمة والعدل والوسطية وكل المكارم والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة والعمارة واحياء الحياة وإثرائها.لقد منح الله تعالى الإنسان العقل وفتح له باب المعرفة ورزقه الفهم والبيان وخصه بالعلم وأنزل عليه مناهج ورسالات سماوية بها تنتظم حركته في الحياة وبها يحيا ويسعد بالحياة وتحيا الحياة وتسعد به ، لكن  للأسف الشديد الكثيرون من البشر تركوا المنهج وألقوا به جانبا وجعلوه من وراء ظهورهم وانقادوا خلف الأنفس والأهواء والشهوات وحب الدنيا واستمعوا إلى شياطينهم وانجرفوا مع تيارات فتن الدنيا  واغتروا بها واطمأنوا وركنوا إليها فضاعت الأمانة ومنهم من لم يفهم جوهر المنهج الحنفي السمح فأول المنهج تأويلا خاطئا وتوهم أن الخلافة تقام بحد السيف فاستباح الدماء الطاهرة وروع الآمنين وعاث في الارض فسادا.هذا وعندما ننظر إلى واقع البشر الأليم المؤلم المرير السيئ  والمحزن وما هم عليه من حال نرى مدى الإفساد في الأرض ومدى ظلم الإنسان لنفسه ولأخيه الإنسان ونرى  امتداد هذا الظلم والجور  إلى كل مظاهر الحياة فلم يسلم  منه إنسان ولا حيوان ولا طير ولا نبات ولا أرض، وحتى الهواء الذي نتنفسه لم يسلم من شرور البشر. لقد ظهر الفساد في البر والبحر كما قال الله تعالى، وأصبحنا نرى آثار هذا الفساد في ربوع الأرض، حرمات وأعراض تنتهك ودماء تسفك وأناس يشردون ومقدسات تهان ، ولا احترام لآدمية الانسان ولا لمظاهر الحياة ،وللأسف وبكل أسف  ضاعت الأمانة بعدما ضيع البشر أمانة ونعمة العقل التي منحهم الله إياها ليعمروا  وينبغوا ويبتكروا ويصلحوا ويبنوا ويشيدوا ويقيموا حضارة انسانية فيها إثراء للحياة.فبدلا من ذلك هدموا وخربوا وأفسدوا ودمروا وقضوا على مظاهر الحياة وضاعت نعمة الأمن والإحساس بالأمان  لدي الكثير والكثير من البشر، وسبحان الله ومن العجيب مع كل هذا الدمار والفساد والخراب يرى المفسدون أنهم  هم المصلحون. وصدق الله تعالى إذا قال "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون" .وفي الختام لا إقامة لخلافة الله تعالى في الارض إلا بالرجوع إلى منهج الله بفهم صحيح مستنير وتطبيقه على أنفسنا بسماحته ووسطيته واعتداله وإقامة حدوده وتعاليمه .. يا سادة إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وإلى لقاء آخر بمشيئة الله تعالى.

مشاركة :