فاتحة الكتاب.. (تأملات وإشراقات)

  • 8/21/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هذه التأملات لهذه السورة العظيمة، جاءت بعد النظر في بعض كتب التفسير، والنقل عن العلماء والمواقع المهتمة بهذا الباب، وتلمس الأسرار والحكم، أرجو أن تكون موافقة لهدي معانيه، ومقاربة لمعالم المدارس المعنية بالتدبر، ونستغفر الله عن الخطأ والزلل، ونفرح بالتوجيه وتسديد الخلل. * * أول آية {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. العالَم طوعاً أوكرهاً كلهم يحمدونه بواقع حالهم أَو على لسانهم. إي والله.. الحمد لله رب العالمين. * * نحن نقرأ في كل صلاةِ فرضٍ أو نفلٍ آية {الرَّحْمنِ الرَّحِيم}. الآية الكريمة جاء حولها لغط كبير، وتحتاج لبيان وتوجيه وإيضاح مستنير (الرَّحْمنِ) تشمل البر والفاجر والمسلم والكافر المؤمن والملحد. هذه التي الرحمة التي وسعت كل شيء هي: (رحمة الإنعام). (الرَّحِيم) الرحمة والمغفرة هي خاصة للمؤمنين الموحّدين ولكنها لا تشمل من مات على الكفر والإلحاد أبداً لافي قديم الدهر أو جديده، وهي إن شاء الله تشمل العصاة من المسلمين الموحّدين. الرحمة على هذا النحو هي: (رحمة المغفرة) كما هو معتقد أهل السنة والجماعة. بهذا الشكل تنضبط الآيات، وتتصل السياقات، ويتبين المقصود. ويعرف المضمون. نعم، ديننا دين الرحمة للخلق كلهم، دين سلام لمن طلب السلام، دين تسامح ورفق مع المخالف وهو أيضاً دين شدة وغلظة على المعتدي السافر، كل في مكانه وحسب سياقه.. إن القرآن العظيم يفسر أول ما يفسر بالقرآن الكريم، وبعضهم عن حسن نية أو سوء (يجتزئون) سياقات الآيات عن بعضها ويفصلون أولها عن آخرها.. ثم هم (يتجرؤون!) كما في هذه الآية الكريمة: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} وسِعَتْ في الدُّنْيا البَرَّ والفاجِرَ، وهي يَوْمَ القِيامَةِ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا خاصَّةً.. قال عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَلَكِنْ لَا تَجِبُ إِلَّا لِلَّذِينِ يَتَّقُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ يُرْزَقُ، وَيُدْفَعُ عَنْهُ بِالْمُؤْمِنِينَ لِسِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَيَعِيشُ فِيهَا، فَإِذَا صَارَ إِلَى الْآخِرَةِ وَجَبَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، كَالْمُسْتَضِيءِ بِنَارِ غَيْرِهِ إِذَا ذَهَبَ صَاحِبُ السِّرَاجِ بِسِرَاجِهِ. بعض الخلق يجتزئون هذه الكلمات القرآنية الشريفة: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} قد نُزعت من سياقها الذي أراده الله.. وينزلونها على من مات على الكفر والإلحاد. يقولون: رحمة الله وسعت كل شيء! نقول لهم: الشيطان شيء! هل رحمة الله تسع الشيطان أيضاً؟! والله حكم عليه في كتابه الكريم بالخلود الأبدي بالنار. اليهود والنصارى ومن جاء بعدهم من الملل والنحل والمذاهب والطوائف يحتجون بها لأنهم في نهاية الأمر شيء! هذا انحراف وتدليس وتلبيس وعبث في الثابت القطعي اليقيني من الشريعة. ثم يقال لهم هناك (إرادة كونية)، (إرادة شرعية)، فالله لا يحب لعباده الكفر بإرادته الشرعية، ولكن إرادته الكونية قَدَّرت الكفر لهم (عَلِمَ اللهُ فَقَدَّرَ). إنه الابتلاء والتمحيص والاختبار في التسليم لأحكام الله في كتابه، وكما بيّنا سابقاً الفرق بين رحمة (الإنعام) (والمغفرة). هي دعوة مناسبة في التلطف بدعوة هؤلاء الكفرة المنحرفين عن صراطه المستقيم ودعوتهم للدخول في الدين المرضي عند الله (الإسلام) بوسطية القرآن لا وسطية أهل الأهواء، كما أنها دعوة مناسبة للتلطف بدعوة هؤلاء المنحرفين عن فهم دلالات الكتاب الموجهة لأهل الكتاب! وتحذيرُ طائفة من داخل الصف الإسلامي المروّجين لهذه العبارة: إن رحمة الله تسع الخلق جميعاً! * * أول سورة في الذكر الحكيم، جاء الحديث عن اليهود والنصارى ومن شابههم في صفاتهم.. هذا ليس تشريفاً لهم، وإنما تحذير منهم! المنافقون لا حديث عنهم هنا؛ لأن المنافقين يظهرون خلاف حقيقتهم كما تعلمون. والسياق يتكلم عن العدو الظاهر، لا عدو خفي! ثم مَن خفي عليه عدوه الظاهر البين، كيف له معرفة عدوه الخفي المتلوّن؟! (عَدُوَّان ظاهران!) يدرك ذلك أصحاب البصيرة لا البصائر..! إنها والله (فاتحة) مدهشة! * * الذي أوجب عداوتهم وبغضهم هو الذي أوجب العدل وحسن التعامل معهم، وهذا عين العدل! فلا نخلط الأوراق، لا غلو ولا جفاء وتفاصيل ذلك تجدها بعد السورة مباشرة، ومتناثرة في سور أخر من هذا الكتاب الكريم. (العقائد، المعاملات، السلم، والحرب..). (المنهزمون).. الواجب الأول نبذوه، أما الثاني فنشروه! * * {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}. الدعاء المستمر بالهداية والثبات يستمر مع المسلم لا ينقطع عنه. اليوم تكون من المهتدين بفضل الله وحده، ولكن من يضمن لك أن تكون غداً مستمراً على هذا الطريق.. الثبات عزيز، ومنحة ربانية وليس أي شيء آخر.. مع فعل أحسن الأسباب وأقواها. * * {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}. قال الإمام مالك بن أنس - غفر الله له -: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها». التذكير وربط الأجيال المتعاقبة بلزوم سبيل الأولين ولو كان ظاهره الألم والشدة، والتحذير من سلوك طريق الغاوين ولو كان ظاهره الفرح واليسر فالعبرة بالحقائق وليس بالمعاني. ثم إن كل قديم لا يرفض، وكل جديد لا يقبل، وإنما العبرة موافقته الكتاب والسنة جديداً أو قديماً.. * * هذه المعاني سلّط الضوء عليها في (أول) الكتاب الكريم. (فأولى) خطواتك تحتاج للهدايات الربانية لا الأهواء الإنسانية..! الطريق طويل جداً!

مشاركة :